أثير – مـحـمـد الـعـريـمي
مرضٌ حالَ دونَ مواصلة حُلم طفولة آية الجديدية في أن تكون طبيبة، لِتمُر في مراحل من طفولتها بالعديد من الصعوبات والكثير من المعاناة؛ عدم نمو العظام بشكل سليم وتكسُّره بسهولة إلى جانب التنمّر، إلا أنها لم تختر اليأس ليحط على حياتها بالسواد ويحولها ليلًا بلا نجوم، كيف لا وأمها ضربت اليأس بالحائط، واتسمت بالرضا والإيجابية، ورسمت لابنتها صورة مشرقة، فكما يُقال “وراء كل عائلة سَعيدة، أُم عظيمة”.
صُدفة جمعتنا بأُم تقف بجانب ابنتها على كرسي مُتحرك وهي متأنقة ومبتسمة والتي شاءت إرادة الله أن تُولد بمرض “العظم الزجاجي”، فشدّتنا الأم بوقفتها الشامخة وابنتها آية بابتسامتها الساحرة للتعرف عليها عن قرُب، وقبل أن نخوض في تفاصيل حياة آية، فإن مرض “العظم الزجاجي” يُعرف بأنه مجموعة من المشاكل الجينية التي تؤثر على تكوّن العظم، أي إنه لا ينمو ويتكون بشكل سليم، بل يكون هناك نقص في تكوينه مما يسبب هشاشة العظم، وسهولة تعرضه للكسر بسبب أو دون سببٍ يذكر.
مرض “العظم الزجاجي” يُعرف بأنه مجموعة من المشاكل الجينية التي تؤثر على تكوّن العظم، أي إنه لا ينمو ويتكون بشكل سليم، بل يكون هناك نقص في تكوينه مما يسبب هشاشة العظم، وسهولة تعرضه للكسر بسبب أو دون سببٍ يذكر
وُلدت آية بنت سعد الجديدية ذات الثامنة عشرة ربيعًا بمرض “العظم الزجاجي” ومنذ ولادتها عاشت أيامًا صعبة كانت تُصارع ما ابتليت به وهو تكسر العظام، حيث كانت تُعاني كسورًا وليس كسرًا واحدًا، فكانت الآلام هي الشيء الملازم لها لسنتين؛ من جانب بُكاء من شدة الألم طوال اليوم ومن جانبٍ آخر ألم تزداد شدّته ليلًا يسلب نوم عينيها، حتى حط اليأس أحيانًا على أخوتها من شدة الكسور وتعددها، إلا أن الأم كانت صلبة وتتحلى بالصبر دائمًا وهي التي كانت تعرف التعامل مع صغيرتها وتصارع معها إلى أن أتمت عامها الثاني وتوقفت الكسور وبدأت في أخذ العلاج بالمستشفى السلطاني.
بعد عامين كانت فيها آلام تكسّر العظام -بسبب أو دون سببٍ واضح- هي الزائر الثقيل وغير المرغوب فيه؛ واجهت آية بعدها صعوبات أكثر لدى المجتمع، هناك من ينظر متسائلًا عن نوعية المرض، وآخرون كانوا لا يقتربون منها بسبب خوفهم، فتسرّب الخوف حتى لدى الأطفال، وآية لم يكُن لها حول لها ولا قوة إلا البكاء، متسائلةً حينها “لماذا يهرب مني الجميع”؟ وطالبات في مدرستها يسألنها عن سبب ارتيادها لمدرسة حكومية عامّة وعدم ارتيادها لمدرسة خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنها كانت تجيبهم ” لست مُعاقة، أنا مريضةٌ فقط”.
تجاوزت آية تلك المراحل بصبر وقوة، كيف لا ولديها أُم عظيمة وصبورة غرست القوة في قلب صغيرتها منذ طفولتها لتواجه المستقبل، فأصبحت آية الآن بعد مرورها بكل تلك الآلام والتحديات والصعوبات صبورة وقوية ومكافحة ومحبوبة لدى الجميع، ولديها حُب للتعرف على الناس ومُجالستهم. كما أنها تشارك في الحفلات المدرسية والأنشطة الطلابية المختلفة.
آية ستُنهي دراستها بالمرحلة الثانوية في العام القادم، وتوجه رسالة عبر “أثير” قائلةً: حُلمي الدراسة في الجامعة بعد الانتهاء من الثانوية والحصول على الشهادة الجامعية، وبعدها الحصول على وظيفة تُناسبني وتُناسب حالتي، وكل ذلك يحتاج إلى الدعم من الجهات المختصة بالدولة.
أخيرًا؛ نحن لا نختار أقدارنا، ولا بد علينا أن نتقبل الآخر ونغرس ذلك في نفوس أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، ليتقبلوا الآخر كيفما كان، وأن يأخذوا بأيديهم، ويشجعوهم ويرسموا لهم الصورة المُشرقة، فبعض ما نواجهه أو ما هو مُقدر لنا يتطلب منا نفسًا كبيرًا وصبرًا كثيرًا، فالصبر من أعلى مقامات اليقين وليس هناك شيء أشرح للصدر بعد الإيمان والرضا بما كتبه الله لنا وحسن الظن به سبحانه؛ آية وأمها الصبورة والقوية مثال حي على ذلك.
