قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية”

قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية”
قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية” قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية”

أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
 
أقدّم لكم اليوم كاتبا أردنيّا صحفيّا وناشطا فاعلا في الساحة الثقافية الأردنية، صدر له عديد الكتب منها المجاميع القصصية ومنها سيرٌ غيرية، ومنها كتاب شعريّ، هو القاصّ جعفر العقيلي وفي الحقيقة لم أكن أعرفه رغم علاقتي الوطيدة بالأردن، المهمّ ردّ على مطلبيْ صداقة ونسخة من إحدى مجاميعه، ولمست فيه قبل القراءة دماثة أخلاقه وتواضعه المدهش، أمّا بعد قراءة ما حبّره بين دفتيْ “مسافة كافية” فأترك لكم لذّة الاكتشاف…

أثير – مكتب أثير في تونس


قراءة: محمد الهادي الجزيري


 


أقدّم لكم اليوم كاتبا أردنيّا صحفيّا وناشطا فاعلا في الساحة الثقافية الأردنية، صدر له عديد الكتب منها المجاميع القصصية ومنها سيرٌ غيرية، ومنها كتاب شعريّ، هو القاصّ جعفر العقيلي وفي الحقيقة لم أكن أعرفه رغم علاقتي الوطيدة بالأردن، المهمّ ردّ على مطلبيْ صداقة ونسخة من إحدى مجاميعه، ولمست فيه قبل القراءة دماثة أخلاقه وتواضعه المدهش، أمّا بعد قراءة ما حبّره بين دفتيْ “مسافة كافية” فأترك لكم لذّة الاكتشاف…

قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية”
قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية” قراءة في مجموعة جعفر العقيلي القصصية: “مسافة كافية”

استهلّ السارد لعبته القصصية بـ “تصفية حساب”، وقد اختاره كعنوان لأولى قصصه، والحكاية طريفة رغم غرابتها وسرياليتها، تتحدّث عن كاتب يباغت في إحدى الليالي الخريفية بجرس البيت يرنّ في حدود منتصف الليل، ويفتح الباب فيواجه شخصا يقول له أنّه أحد أبطال قصصه، وفي نهاية القصة ينسحب الشخص ويمضي في ظلمة الليل، خلاصة المتن السرديّ ..امتلاء السارد بأبطال قصصه وخروجهم من النصّ وعنه ..ليتدخّلوا في أحداث السرد، على كلّ، هذه أوّل قصّة أقرأها لجعفر العقيلي، وقد كانت ناجحة إذ عرفت صديقا آخر مهووسا بالكتابة وما ينجرّ عنها:                    
” لم أنبس… استعدُتني بمشقّة، وما عاد المشهد من عينٍ محايدة يروقني. إنه في مواجهتي، أو أنا في مواجهته. شخصٌ بمهابةٍ عالية يجلس على المقعد خاصّتي في غيابَةِ ليلةٍ تشـرينية بلا موعد أو سابق معرفة، يدّعي إنه «بطلي»!..”
 
طرافة هذا الكاتب وروحه الخفيفة ..ودقّة التفاصيل التي يسردها، وجدتها خلال قراءتي القصة الثانية “علامة فارقة”، فمن شَعرة نبتتْ في الحاجب، خلق عالما كاملا للمعاني وأطلق سيلا من الجمل والكلمات، فقط للحديث عن هذه الشعرة التي صارت شيئا مهمّا في حياته، كيف أخذ لها صورة للذكرى مخافة أن ينهض يوما ولا يجدها، وأخيرا أثارت غيرة زوجته وكأنّها ضرة لها، إنّها قصة مليحة فيها الكثير من الضحك الرصين الهادئ، قصة تتركننا نفكّر في أجسادنا وما تنتجه وما تفرزه وما يموت منها كلّ يوم، نفكّر في الكائن الإنساني الذي نحن منه وفيه:

استهلّ السارد لعبته القصصية بـ “تصفية حساب”، وقد اختاره كعنوان لأولى قصصه، والحكاية طريفة رغم غرابتها وسرياليتها، تتحدّث عن كاتب يباغت في إحدى الليالي الخريفية بجرس البيت يرنّ في حدود منتصف الليل، ويفتح الباب فيواجه شخصا يقول له أنّه أحد أبطال قصصه، وفي نهاية القصة ينسحب الشخص ويمضي في ظلمة الليل، خلاصة المتن السرديّ ..امتلاء السارد بأبطال قصصه وخروجهم من النصّ وعنه ..ليتدخّلوا في أحداث السرد، على كلّ، هذه أوّل قصّة أقرأها لجعفر العقيلي، وقد كانت ناجحة إذ عرفت صديقا آخر مهووسا بالكتابة وما ينجرّ عنها:                    


” لم أنبس… استعدُتني بمشقّة، وما عاد المشهد من عينٍ محايدة يروقني. إنه في مواجهتي، أو أنا في مواجهته. شخصٌ بمهابةٍ عالية يجلس على المقعد خاصّتي في غيابَةِ ليلةٍ تشـرينية بلا موعد أو سابق معرفة، يدّعي إنه «بطلي»!..”


 


طرافة هذا الكاتب وروحه الخفيفة ..ودقّة التفاصيل التي يسردها، وجدتها خلال قراءتي القصة الثانية “علامة فارقة”، فمن شَعرة نبتتْ في الحاجب، خلق عالما كاملا للمعاني وأطلق سيلا من الجمل والكلمات، فقط للحديث عن هذه الشعرة التي صارت شيئا مهمّا في حياته، كيف أخذ لها صورة للذكرى مخافة أن ينهض يوما ولا يجدها، وأخيرا أثارت غيرة زوجته وكأنّها ضرة لها، إنّها قصة مليحة فيها الكثير من الضحك الرصين الهادئ، قصة تتركننا نفكّر في أجسادنا وما تنتجه وما تفرزه وما يموت منها كلّ يوم، نفكّر في الكائن الإنساني الذي نحن منه وفيه:

“تمددتُ على الطرف الآخر، وعلى إيقاع نهنهاتِها تفكّرتُ بما جرى. «تغارُ من شَعرة!»، ابتسمتُ في سـري، وأنا أتخيّلُها ضـرة لها.

بعد هدأةٍ قصـيرة حَسبْتُها نهايةَ الزوبعة، اقتنصتْ غفلتي وانقضّت عليّ. وقبل أن أتمكن من صدِّها، لوّحتْ بقبضتها مُحكمَةِ الإغلاق وزهوُ انتصارٍ يفيض من تعابيرها.

نهضتُ أركضُ نحو المرآة أطْمَئِنّ على شَعرتي، وضحكةُ شماتةٍ تطاردني.

إلهي وأنتَ جاهي؛ ألْهِمني الصبرَ، لأجتازَ محنتي وأواصلَ الكتابة..”

بعد قصة “كُمُستير” وتعني لعبة الغميضة التي يلعبها الصغار، وتطرّق إلى مواجهة السارد مع رأسه، وفيها فانتازية وغرائبية، بل فيها عدائية تجاه الرأس من قِبل الفرد، ونمرّ إلى قصة أخرى بعنوان طقوس، إذ فيها حالة يعيشها كلّ كتّاب العالم، وتنتهي في أغلب الأحيان كما تمّت في القصة، كان كلّ شيء جاهزا للكتابة، فقد أعدّ السارد كلّ شيء كما ينبغي، وكان على وشك الإلهام والتدفّق، لكن فجأة توقّفتْ أسطوانةُ الموسيقى عن الدوران.. وتعطّل الوحي الكتابي لدى الكاتب، هذه اللحظة لطالما كتب عنها الكتّاب، فبغتة يفقدون القدرة على ترجمة مشاعرهم أو كتابة هواجسهم وأفكارهم، أترككم مع السارد في فقرة من القصة وهو في أتمّ الاستعداد لمواجهة بياض الورقة:

“ألقى نظرةً مُتفَحِّصة على المشهدِ بِرمَّتهِ؛ باتَ كلُّ شيءٍ على ما يُرام: الإضاءة السّحريّة، الموسيقى العذبة، القهوة المُرَّة، القلم الفاخر، الورق الناعم، أشعة الغروب المُتسرِّبة كَشلاّل، “السّيجار” الفخم، وأناقته التي أسرفَ فيها كأنّهُ على موعدٍ مع حبيبته..”

أجمل ما شدّني في جعفر العقيلي هو (الكتابة عن الكتابة) أعني من كثرة وشدّة تولّهه بصناعة الجملة القصصية وإدمانه حالات أبطاله، أصبح واحد منهم، على كلّ هذه الإطلالة السريعة على مجموعة “مسافة كافية”، وهي قصيرة ومكثّفة تماما مثلما يفعله الشعراء، وهذا ليس غريبا، فحذار إنّ ساردنا شاعر…

Your Page Title