أثير- الروائي الأردني جلال برجس
خمسة عشر عامًا تمر على إطلاق الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) التي منذ ظهورها أخذ الصحافيون والكتّاب والناشرون والقراء -وأنا منهم-ينتظرون ما سوف تعلن عنه كل عام. هذا الانتظار-بكل ما أدى إليه من إيجابيات لم يكن قبل أن تظهر هذه الجائزة -التي ألقت حجرًا في المياه الراكدة-عام 2008، حيث نالها الراحل الكبير بهاء طاهر عن روايته المهمة: (واحة الغروب). وقد أخذت سمات هذا الانتظار تعلو، وتتحدد تدريجًا إلى أن وصلت ذروتها عام 2017 تقريبًا. ما إن تظهر القائمة الطويلة حتى يزداد الطلب على تلك الروايات، وتُسلط الأضواء عليها. تبوح الأقلام بما لديها بين مؤيد ومعارض، بين فرحٍ وغاضب؛ وبين مشكك ومصدق؛ صخب يتجه مؤشره إلى الأعلى مع ظهور القائمة القصيرة، ويبقى في طريقه إلى أن يُعلن عن الفائز حيث ينشغل الوسط الثقافي العربي بذلك الحدث لأشهر، ثم يعود الانتظار من جديد لما ستفضي إليه السنة القادمة.
لكن ينتهي الصخب، ويبقى مضي القراء في طريقهم نحو الكِتاب، ونحو اتخاذ الرواية العربية مكانة جديدة؛ إذ إن أجمل ما أفرزته الجائزة هو ذلك الطيف العريض من القراء العرب، الذين يزداد عددهم، ويرتفع مستواهم القرائي سنويًا، وقد غير ولو قليلًا -إلى جانب مبادرات القراءة الناجحة-الأرقام التي تصدر عن مؤسسات عالمية تشير إلى معدلات القراءة في العالم العربي، وهذه طريق نحو نجاح كبير.
إن أفضل دورات هذه الجائزة -برأي القراء العرب-هي التي تتوافق مع ترشيحاتهم، واختيارهم للرواية الفائزة؛ إذ أن هناك شبه إجماع على عدد من الروايات في دورات الجائزة السابقة، وهذا الإجماع هو نتاج الذائقة القرائية لهذا المجموع من الذي اقتنوا الروايات المرشحة، واشتبكوا معها. وبطبيعة الحال لا يتوافق دومًا الرأي الانطباعي للقراء برأي لجنة التحكيم التي تختار الرواية الفائزة بناء على أسس مختلفة، وأهمها الرأي النقدي. لكن هذا الإجماع ليس كاملًا إذ أن ميول القراء وأمزجتهم القرائية تختلف من قارئ إلى آخر.
أما السنوات التي لم توافق فيها الجائزة ميول القراء فقد أفرزت نجومية تفوق نجومية من كانوا ينتظرون فوزه؛ فهذه الجائزة ليست للكاتب وحده، بل هي للقراء، والناشرين أيضًا، والقراء هم من يتحكمون بطريقة غير مباشرة بمعدلات شراء الكتب حتى لو أشارت الآلة الإعلامية الثقافية إلى غير ما يقبلون عليه. بهذه الحالة تكون الجائزة العالمية للرواية العربية قد أصابت عدة عصافير بحجر واحدة.
في نهائيات كل دورة من دورات الجائزة دومًا هناك رواية أو أكثر تنال بأدوات المتعة الأدبية رضى كثير من القراء ومحبتهم، وبالتالي يقفون بصفها في المراثون إلى الفوز، وهذا حدث في عدة دورات للجائزة، وحدث في دورة هذا العام حيث توجت رواية (تغريبة القافر) للشاعر والروائي العُماني (زهران القاسمي) بالجائزة العالمية للرواية العربية 2023 هذه الرواية التي وصلت القائمة القصيرة جنبًا إلى جنب مع الروايات الأخرى ذات الأهمية والسوية الأدبية العالية، إذ أبارك لزهران القاسمي هذا الفوز لروايته التي أخذت، وستأخذ القراء العرب في رحلة إلى عُمان، وعوالمها الجميلة.
بعد مرور كل هذه السنوات على إطلاق الجائزة العالمية للرواية العربية يمكنني القول أنها غيرت بمركزية القراءة، وساعدت بازدياد عدد القراء العرب، ولفتت الأنظار إلى روايات على درجة عالية من الأهمية أتت من مناطق غير مطروقة بنسبة عالية من قبل، وغيرت بمستوى دور النشر التي أخذ بعضها في هذه الأيام ينتهج الأسس العالمية في التعامل مع الكتاب والكاتب، وأدت إلى نشوء مكاتب للوكالات الأدبية، وخلقت إعلامًا ثقافيًا، وأوسعت من شريحة انتشار المرشحين والفائزين على الصعيدين العربي والعالمي، وعبدت طرقًا للرواية نحو الدراما.
أما الصخب الذي يرافق مراحل الجائزة سنويًا فهو بطريقة غير مباشرة أحد الأسباب في انتشارها الجميل، واتخاذها مكانة مهمة، وبالتالي ترسيخ تعدد الآراء. وفي المحصلة ارتفعت معدلات القراءة، ليس فقط للرواية بل للأصناف الأدبية الأخرى. وهذا ما نريده في عالمنا العربي المتهم بضعف علاقته بالكتاب.