أخبار

عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار!

عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار!
عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار! عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار!

أثير – نصر البوسعيدي

حرص ملوك إسبانيا الذين كانوا يديرون المستعمرات البرتغالية في عُمان وبالأخص بعدما استطاعوا في عام 1580م ضم البرتغال لإسبانيا بعد مقتل الملك البرتغالي سبيستيان في معركة الملوك الثلاثة ببلاد المغرب، أن يستغلوا كل ذرة خير من تلك المستعمرات لإدخالها إلى خزينة أموالهم، فكانوا يتتبعون كل التفاصيل في الأماكن التي وقعت تحت السيطرة البرتغالية لا سيما مدن الساحل العماني.

وأصبحت صحار منذ عام 1618م حاضرة في مسرح الأحداث بكل قوة لدى الملك الإسباني وخلفائه، وبخاصة حينما بدأت تنهال عليهم هجمات الهولنديين والإنجليز والفرس في المنطقة، لذا كان تركيزهم شديدًا للغاية من أجل الحفاظ على صحار ومسقط تحت سيطرتهم التامة؛ لاحتكار التجارة ونهب كل ما يستطيعون والاستفادة منه بقدر الإمكان.

تخيلوا بأن ملك إسبانيا حينها كان يريد أن يسرق تمر صحار ونخيلها التي كانت تحيط بقلعة صحار لصالح خزينته مثلما يقول! كان يريد أن يأخذ كل شيء بعقلية المستعمر الإقطاعي، وكأن الأمر مباح لهم دون أي جدال في الوقت الذي كانت فيه عُمان تأن من الانقسامات والحروب الأهلية صراعًا على السلطة.

عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار!
عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار! عندما خطط ملك إسبانيا والبرتغال لسرقة مدينة صحار!

تتبعنا نظرتهم لصحار من خلال “موسوعة الوثائق البرتغالية في بحر عُمان”، وركزنا على تواريخ رسائلهم منذ عام 1618م، لنرى كيف كان ملك إسبانيا يخطط مع أصحابه لاستغلال هذه المدينة والحفاظ عليها تحت سيطرتهم، وكيف كانت نظرته الشاملة عن تفاصيل صحار وقلعتها وهو على كرسي العرش بمدريد.

هنا سنعرض عبر “أثير” مجموعة مختصرة من مراسلاتهم بتصرف واختصار؛ لتتضح الصورة لنا أكثر عن نظرتهم الاستعمارية لصحار. والبداية مع رسالة ملك إسبانيا فليب الثالث، الذي اشتهر بقسوته ضد مسلمي إسبانيا وأصدر مرسومًا بطردهم من إسبانيا عرف بمرسوم (طرد الموريسكيين) أي أحفاد المسلمين الذين تحولوا للمسيحية!

هذا الملك كان لديه كل تفاصيل قلعة صحار؛ فأرسل في عام 1618م لنائبه بالهند هذه الرسالة التي نجد فيها معلومة مهمة تشير إلى أن فاسكو دا جاما الذي تقول عنه مناهجنا الدراسية للأسف بأنه مستكشف! قد هاجم صحار وارتكب فيها من المؤكد جرائمه التي عرفها التاريخ كمجرم ومستعمر صليبي.

يقول الملك:
” إلى صديقي الكوند ونائبي بالهند… سبق أن أخبرني دون جواو دو أزفيدو أن الدون فرنسيشكو رولين، والدون فاسكو دا جاما ضما سفن أسطولهما وهاجما قلعة صحار واستوليا عليها ولما هاجمها أحد الشيوخ دافع عنها الدون فاسكو دا جاما ولم يغادرها إلا بعدما زودها بما يكفي من المحاربين ضمانا لبقائها تحت سلطتي”!


وتشير المصادر التاريخية إلى أن فاسكو دا جاما قد توفي بالهند في عام 1524م، وهذا يعني أن هجومه على صحار نعتقد بأنه كان تقريبا في بدايات عام 1507م أو قبله بعدة سنوات، قبل أن يكمل البوكيرك خططه الاستعمارية بكل عنف!

ولنعود للملك فليب الثالث وحديثه التفصيلي عن قلعة صحار وهو في مدريد فقال:
” لقد بدا لي أنه يتعين الاحتفاظ بصحار تحت سلطتي، بيد أن أسوارها مشيدة بشكل سيئ وأنها تحيط برقعة واسعة يتعذر الدفاع عنها بعدد قليل من المحاربين وأن تعزيز حاميتها سينعكس سلبا على غيرها لشدة الحاجة إليهم في جميع أطراف دولة الهند. وبناء عليه، آمركم بإصدار تعليماتكم بتقليص رقعة القلعة بحيث يمكن لثلاثين محاربا الدفاع عنها، وليتم ذلك بطريقة ناجعة”!


وحينما نتمعن هذه الرسالة نجد أن معاناة الجيش البرتغالي بدأت تظهر نتيجة ضربات الهنود والإنجليز والفرس والهولنديين، وقبلهم العثمانيين في مختلف أرجاء مدنهم الاستعمارية لدرجة أنهم كانوا يريدون أن يحرس القلعة بمدافعها 30 جنديا برتغاليا، وهذا ما يجعلنا نتخيل من ناحية أخرى مشهد الشتات الذي كانت تعاني منه عُمان لدرجة ألا نجد وقتها قائدا يستطيع أن يجمع جيشا منظما لطرد البرتغاليين من صحار كمثال وهم بهذه الأعداد القليلة يسيطرون على كل واردات مينائها بسبب صراعاتنا الداخلية على السلطة!

ولنكمل رسالة الملك فليب الثالث وهو يحث نائبه على سرقة صحار قائلا:
“حسبما فهمت تحيط بصحار غابات نخيل وأراض قابلة للاستغلال، يمكن أن توفر ما يسمح بدفع رواتب الحامية وتوفير مؤونتها علاوة على ما يفيض لفائدة خزينتي، وبناء عليه آمركم بإصدار تعليماتكم باستغلال تلك النخيل والأراضي كمورد يساعد على الاحتفاظ بتلك القلعة، ولتزويد كذلك خزينتي بما قد يفيض من أموال”!


هل تلاحظون مدى دقة التفاصيل التي كانت في مدريد عن صحار وقلعتها والنخيل التي تحيط بها؟! وكأن الملك لديه رسم تفصيلي عن المدينة التي يعدها من أملاكه لدرجة التخطيط لنهب كل شيء فيها ولو كان تمرًا!

وبعد عام من هذه الرسالة رد نائب الملك من الهند في سنة 1619م عليها قائلا للمك:
” سيدي لقد حاولت تنفيذ أمر جلالتكم بشأن تقليص رقعة قلعة صحار الشاسعة وإعادة بناء سورها، سأكلف بالموضوع أنطونيو بينتو فور عودته من ملقا، وقد قدر القبطان مصاريف البناء بأكثر من 20 ألف أشرفي، وقد أمرت أمين مال هرمز منويل بورجش دو سوزا بتقدير قيمة إيرادات قلعة صحار من مزارع النخيل وغيرها للعمل على تحصيلها وضبطها في سجل خاص لكي يطالب أمناء مالية هرمز مستقبلا وكلاء صحار بقيمتها، كما أمرت بأن يقيد الجرد المذكور في سجلات الحسابات، وسأوافي جلالتكم بالإجراءات التي اتخذت في هذا الشأن”!


من خلال تمعننا في هذه الوثيقة نجد أن نائب الملك كان يقيم في الهند، وهذا هو الحاصل منذ بدايات استعمارهم للمنطقة في عام 1507م. كما نلاحظ كذلك بأن صحار تتبع إداريًا مملكة هرمز التي يسيطر عليها البرتغاليون في تلك الفترة مع تعاون وزرائها وملوكها الذين كانوا من أصل فارسي.

ما ذكرناه أعلاه ليس إلا مثالا يسيرا على كيفية إداراتهم لمستعمراتهم وبأدق التفاصيل رغم بُعد مدريد ولشبونة عن صحار وبقية المدن العُمانية.

Your Page Title