أبجد

الرؤية العمانية للتعاون الخليجي .. قراءة في كتاب الدكتور محمد العريمي

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

 

عبد الله العليان

 

منذ تولى جلالة السلطان قابوس المعظم بسنوات قليلة،سعى إلى إطلاق فكرة إقامة التعاون الإقليمي باعتباره يعزز الكتلة الخليجية في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية ، وباتت تلك الرسالة العمانية بشأن التعاون الإقليمي ،أحد العناصر الرئيسية للسياسة العمانية التي كان يقودها ويمثلها شخصيا جلالته وهو ما عبر عنه بقوله:” نحن جميعا نهتم باستقرار الأمن في المنطقة كسياسة عامة ، ولا ريب إننا إذا حققنا الأمن في المنطقة وتعاونا جميعا في هذا السبيل فإننا نكون بذلك قد حصنا أنفسنا ضد أي خطر خارجي،ولا ريب كذلك في الاتحاد قوة ، وهو إذا ما أمكن تحقيقه فأنه سيكون الدرع الواقي للمنطقة (حديث لمجلة المصور المصرية 1973م ) وقال جلالته في حديث آخر “سنسعى إلى المزيد من التضامن والاتحاد بيننا وبين إخواننا في الخليج لأننا نعتبر أنفسنا وحدة كاملة والمستقبل كفيل بوضع اللمسات الأخيرة لأي نوع من الوحدة أو الاتحاد ( حديـث لجريــدة الأنــوار اللبنانية 1974م ) وفي عام 1976 دعا جلالة السلطان لعقد اجتماع لوزراء خارجية دول الخليج بالإضافة إلى إيران والعراق ، وقد خصص لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي ورغم إن الاجتماع لم يسفر عن اتفاق إلا أنه كان بداية الدعوة لبناء اتحاد إقليمي في المنطقة تبنته السلطنة .في جلسة افتتاح هذا الاجتماع بمسقط ” أن سلطنة عمان تؤكد على أهمية التفاهم للوصول إلى صيغة متفق عليها للتعاون بين دول منطقتنا ويهم عمان حكومة وشعبا أن تشهد منطقتنا استقرارا وأمنا دائمين يمهدان لها السبيل لتثبيت دعائم التنمية ودفع عجلتها إلى الأمام ” .

 

مؤكدا جلالته في كلمته إن ” سلطنة عمان تعرف كما يعرف العدو بأنها خط الدفاع الأول للمنطقة باعتبار موقعها الاستراتيجي وإنها المنفذ الرئيسي لها”.

 

واستمرت المساعي العمانية – بتوجيهات جلالته – قائمة وتعززت دعوتها لإقامة ترتيبات أو إطار للتعاون الإقليمي شيئا فشيئا عن طريق الاتفاقيات الثنائية والبرامج المشتركة في المجالات التخصصية في شكل منظمات متعددة ، لكن القصور عن التوصل لاتفاق في المجالات الدفاعية والسياسية دفع جلالته إلى الحديث عن هذا المجال الحيوي في خطابه الهام بالعيد الوطني العاشر أن “الأهمية الجغرافية والسياسية للخليج كمنظمة تؤكد ضرورة التعاون التام بين دولنا .

 

الرؤية العمانية

الرؤية العمانية

 

في كتاب الدكتور/ محمد بن مبارك العريمي ( الرؤية العمانية للتعاون الخليجي) الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، وقد طرح الباحث العريمي في هذا الكتاب القيم، الرؤية العمانية للتعاون بين دوله، موضحا في مقدمة الكتاب، أن ” تحرك السلطنة نحو بناء عمل خليجي مشترك قد لاقت أحياناً تحفظاً من بعض الدول الأعضاء التي التزمت الحسابات القطرية في فترة أو أخرى، ووجدت أن الدعوة العُمانية ستفقدها بعض المكاسب الفردية، وأكثر من ذلك فإن هذه الأطروحات في معظمها كانت تقاوم حتى تنتهي إلى حالة من الإخفاق، وهو الأمر الذي أضر بالعمل الخليجي العام. وان عمان من خلا ل تجربتها الطويلة ـ أدركت أن السَّمة الغالبة على التوجهات الدولية الآن هي سمة بناء التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية وحتى الثقافية. وفي هذا الإطار فهمت صيغة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وآمنت منذ البداية بأن ظهور هذا المجلس ثم استمراره جاءا نتيجة شعور جميع أبناء الخليج العربي بأنهم يعيشون في منطقة واحدة، وأن مصيرهم واحد. وبالرغم من أن الشعوب في دول الخليج العربية تدرك أن لكل بلد حدوده فإن الجذور التاريخية والثقافية والدينية، وحتى التكوينات السياسية تنمّي إحساسها على أنها تشكل مجموعة متناسقة.

 

المرتكزات الأساسية

المرتكزات الأساسية

 

 وفي مرتكزات  السياسة الخليجية للسلطنة يرى الباحث، أن النظام الأساسي للمجلس برغم ” تحديده أربعة أهداف له، وهي:تعميق صلات التعاون القائمة بين الشعوب الخليجية في مختلف المجالات، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء، بما يؤدي في النهاية إلى وحدتها، ووضع نظم متماثلة في مختلف الميادين (الاقتصادية والتجارية والجمركية والتعليمية والثقافية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والمواصلات)، وأخيراً دعم عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية ومشروعات مشتركة وتشجيع التعاون بين مكونات القطاع الخاص، فإن السلطنة رأت أن أهداف هذا النظام قد جاءت أهدافاً عامة؛ إذ لم يوضّح النظام الأساسي المبادئ والآليات الواجب اتباعها في سبيل تحقيق الأهداف، وإدراك السلطنة أنه بالرغم من أن الدوافع المباشرة التي عجلت بقيام المجلس كانت سياسية وأمنية قبل كل شيء، فإن النظام الأساسي تجنب الخوض بشكل مباشر في هذين المجالين، مركزاً الاهتمام بدلاً من ذلك على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد سوغت القيادات الخليجية في تصريحاتها التي تزامنت مع إشهار المجلس، أن ذلك كان مقصوداً لذاته؛ حتى لا يفسّر قيام المجلس بأنه تحالف سياسي عسكري أمني موجّه ضد الآخرين، وقد عدَّت المدخل الوظيفي للتكامل أفضل الوسائل لخدمة الجوانب السياسية والأمنية .

 

استثمار الايجابيات

استثمار الايجابيات

وان السياسة العمانية ومبادئها، كما يرى الباحث د/ محمد العريمي، تقوم على :

 

 1. البناء على الإيجابيات وعلى الموضوعات المتفق عليها ، أما القضايا الخلافية فكانت تترك للتطورات والمعطيات ، مع الاستمرار في تدارسها حتى يمكن التوصل إلى توافق بين الأطراف المختلفة . وفي هذا السياق جاء حديث للسلطان قابوس قال فيه :”نبدأ بما تم الاتفاق عليه حتى لا تتعطل المسيرة ، وفي الوقت نفسه يتم البحث في النقاط التي لم يتفق عليها ، لسنا في عجلة ، فما لم يتحقق تنفيذه في هذا العام يمكن أن يتحقق في العام الذي يليه أو في مرحلة أخرى “.

 

2- كون التعاون هو الأساس الذي قامت عليه فكرة إنشاء المجلس؛ حيث يجب أن يكون شاملاً ومتطوراً وغير محدود ، وألا ينظر إلى المجلس على أساس أنه تجمع أنظمه سياسية بقدر ما هو تجمع إرادات سياسية ، تبحث عن التعاون ، وتسعى إلى إقامته ، وفي هذا ورد قول السلطان قابوس :”الرؤية العمانية هي الاسم نفسه للمجلس، المجلس هو للتعاون،وهو ليس اتحاداً… إنما يتطور بعد ذلك إلى شيء اسمه وحدة”. وبمقتضى الرؤية العمانية أيضاً فإن الصيغة التعاونية التي تشكل الركيزة الأساس لقيام المجلس يجب أن تأخذ بالحسبان أمرين مهمين :

 

أ. عدم ترك الظروف التي رافقت نشوء المجلس والمتمثلة باشتعال الحرب العراقية– الإيرانية انطباعات تؤدي إلى تفسير هذا النشوء على خلفية إقامة حلف عسكري ، ربما تنظر إليه إيران على أنه موجَه ضدها.

 

ب. عدم المغالاة في الوعود بترويج أن هذا المجلس جاء لتوحيد شعوب دول مجلس التعاون من لحظه إنشائه؛فالخوف يكمن في أن يؤدي ذلك إلى إحباط الآمال والأماني ، وإن كان ذلك لا يعني إغفال أن هناك إمكانيات كثيرة؛لتوسيع مجالات التعاون وتطوير التجربة؛ بما يؤدي في مراحل لاحقة إلى تحقيق مستويات متقدمة من التوحد أو الاندماج الكامل.

 

3- عدم تحويل المجلس إلى منظمة إقليمية أو شبه إقليمية ، تمارس من خلالها بعض الدول الأعضاء نفوذاً على دول الجوار ، وعدم استخدام الأوضاع والترتيبات الجماعية ذريعة للانتقاص من السيادة الوطنية للدول الأعضاء ، أو التعدي عليها؛وذلك ارتكازاً إلى المبدأ العام الذي يرى ” أن الدول لا تتنازل عن سيادتها عندما تنتمي إلى مؤسسة إقليمية؛مثل: مدلس التعاون أو الجامعة العربية أو الأمم المتحدة”.

 

أو أنها تقصد من وراء التكتل تأمين المزيد من القوة التي تستخدم للاعتداء على الآخرين .

 

النظرة الأمنية العمانية

النظرة الأمنية العمانية

وفي مجال البعد الأمني في الطرح العماني ،يرى الكاتب والباحث د/ محمد العريمي، أن النظرة العمانية شكلت تجاه القضية الأمنية في الخليج العربي من مصدرين: أولهما: هو ما فرضته الحقائق الجيواستراتيجية، المتمثلة بموقع سلطنة عُمان على مدخل الخليج العربي (مضيق هرمز)؛ حيث إنها تشرف على الجهة الغربية من هذا المدخل، وهي الجهة المؤثرة والمهمة؛ حيث يمر فيها معظم خطوط الملاحة الدولية العابرة لهذا المضيق، وتشاطئها عليه إيران التي لم تكن أيام الشاه أو الآن على وفاق مع بعض دول الخليج العربية، بل إنها تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وقد دخلت في حرب ضد العراق، واتجهت نحو تنفيذ مبدأ مفهوم تصدير الثورة إلى البحرين، وغيرها من دول الخليج العربية في السنوات الأولى لثورتها عام 1979؛ الأمر الذي حمّل سلطنة عُمان مسؤولية أمنية وسياسية إقليمية كان عليها أن تتعامل إزاءها بكل وعي؛ لحماية مصالحها الوطنية أولاً، وإسهاماً منها في حماية الملاحة الدولية ثانياً. وثانيهما: هو تلك الخبرة التاريخية التي تكونت لدى السلطنة من خلال تجاربها مع القوى الدولية والإقليمية في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي، بحكم موقعها الجغرافي.

 

                                 

                                 

وفي الأسس العمانية يرى الكاتب أن الرؤية العُمانية لأمن الخليج العربي تقوم على مجموعة من الأسس: أما الأوّل فيتحقق عن طريق بناء القوّة وإقامة التعاون والتنسيق بين دول الخليج، متسلحة بالإرادة السياسية التي تدفع نحو هذا التوجّه من دون أن تكون الاستراتيجية قائمة على تشكيل الأحلاف، وعلى أن تكون البداية بالتركيز على الدائرة المباشرة؛ أي التي تضم الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المتشابهة.

أما الأساس الثاني فمؤداه إيجاد مساحات من التفاهم والتعاون بين دول الخليج العربية، وكذلك بين هذه الدول والدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة، التي يهمها أصلاً أمن الخليج العربي واستقراره. وقد راعت دول الخليج، وخاصة سلطنة عُمان مصالح هذه الدول، ورأت أن مشاركتها في بناء الأمن لا تعني انفرادها به، بل أكدت دول الخليج العربية وفي مقدمتها السلطنة أن أمن الخليج لا يمكن أن يبنيه إلا دوله، وهي التي تقرره وتصونه. وقد أدركت الدول الخليجية أن مصالح الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان تُحصر في استمرار تدفق النفط، وسلامة نقله؛ ولذا فإنها حاولت ألا تمس هذا الموضوع الحسَّاس بصورة مؤثرة. 

 

ثبات السياسة العقلانية

ثبات السياسة العقلانية

        

        

وفي خاتمة الكتاب يطرح الكاتب مخلص الرؤية العمانية تجاه مجلس التعاون ، ويرى أن السلطنة أخذت بمفهوم التكتل والتوحد والتجمع المشترك أساسا لمبادرتها، وتأسيس السلطنة سياستها الخارجية على أساس ثابت، هو إقامة علاقات سلمية وتعاونية بكل دول العالم، وإدراك السلطنة أهمية موقعها الجيوستراتيجي، ومدى ما حملها هذا الموقع من مسؤوليات وأعباء في حماية مضيق هرمز، الذي تعد مياهه من أهم المياه الدولية،وتعامل السلطنة في ممارساتها السياسية والايجابيات،حيث كانت تنطلق من القضايا المتفق عليها، وتترك الأمور الخلافية منها إلى التطورات مع الاستمرار، حتى يمكن التوصل إلى تفاهمات بمدارستها، حتى يمكن أن التوصل إلى تفاهمات وقناعات حولها لدى جميع الأطراف، واستثمار السلطنة جميع إمكانياتها وقدراتها في سبيل إيصال التعاون الخليجي إلى أهدافه، وقد أثبتت السلطنة قدرة كبيرة في قيادة الكثير من التوجهات الخليجية في فض المنازعات، لا سيما ما تعلق منها بأزمات أو قضايا وقتية هى طرف فيها، كما استطاعت أن تفرض منهجيتها الهادئة في حل المنازعات ـ  الخليجية.

 

والجدير بالذكر أن د/ محمد  بن مبارك العريمي حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية ، وكان قد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية ، ثم شهادة الماجستير متخصصا في النظم والعلاقات الدولية،وهو الآن مدير عام وكالة الأنباء العمانية ورئيس تحريرها، بالإضافة، إلى كونه كاتبا ومحللاً سياسياً أسهم في مؤتمرات إقليمية ودولية،شارك في الكثير من المؤتمرات العلمية والإعلامية له اهتمامات بدراسة منطقة الخليج ولاسيما السلطنة. . وقد صدر له بالإضافة إلى هذا الكتاب (قضايا معاصرة في البعدين السياسي والإعلامي) ، وكتاب (الشورى في النظام السياسي العماني) .وقد كتب ونشر العديد من المقالات والدراسات والأبحاث في الصحف والمجلات والدوريات المتخصصة  في العلوم السياسية . 

والجدير بالذكر أن د/ محمد  بن مبارك العريمي حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية ، وكان قد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية ، ثم شهادة الماجستير متخصصا في النظم والعلاقات الدولية

 

،وهو الآن مدير عام وكالة الأنباء العمانية ورئيس تحريرها، بالإضافة، إلى كونه كاتبا ومحللاً سياسياً أسهم في مؤتمرات إقليمية ودولية،شارك في الكثير من المؤتمرات العلمية والإعلامية له اهتمامات بدراسة منطقة الخليج ولاسيما السلطنة

.

. وقد صدر له بالإضافة إلى هذا الكتاب (قضايا معاصرة في البعدين السياسي والإعلامي) ، وكتاب (الشورى في النظام السياسي العماني) .وقد كتب ونشر العديد من المقالات والدراسات والأبحاث في الصحف والمجلات والدوريات المتخصصة

 

في العلوم السياسية . 

 

 

 

Your Page Title