هذه مقابرنا وهذا تاريخنا.. كبشر!
هذه مقابرنا وهذا تاريخنا.. كبشر
!
سعدية مفرح – الكويت
بعد عرض مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي قبل عدة سنوات في الفضائيات العربية كتبت يومها مقالا بعنوان “هذه مقابرنا وهذا تاريخنا” تعليقا على الانتقادات الواسعة التي طالت المسلسل يومها بسبب كثرة المذابح والجثث التي ظهرت فيه.
بعد عرض مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي قبل عدة سنوات في الفضائيات العربية كتبت يومها مقالا بعنوان “هذه مقابرنا وهذا تاريخنا” تعليقا على الانتقادات الواسعة التي طالت المسلسل يومها بسبب كثرة المذابح والجثث التي ظهرت فيه
.
في ذلك كتبت حرفيا أن “من أكثر النكات التي وصلتني عبر الهاتف النقال في الآونة الأخيرة إيلاما وسخرية ، نكتة تقول أن صدام حسين بريء من مسؤولية المقابر الجماعية التي اكتشفت في العراق بعد سقوط نظامه ، فقد اتضح أن هذه المقابر تعود للعصر الأموي وأنها من مسؤولية الحجاج بن يوسف الثقفي !.
في ذلك كتبت حرفيا أن “من أكثر النكات التي وصلتني عبر الهاتف النقال في الآونة الأخيرة إيلاما وسخرية ، نكتة تقول أن صدام حسين بريء من مسؤولية المقابر الجماعية التي اكتشفت في العراق بعد سقوط نظامه ، فقد اتضح أن هذه المقابر تعود للعصر الأموي وأنها من مسؤولية الحجاج بن يوسف الثقفي
!.
والنكتة، وهي بالمناسبة غير مضحكة كما ترون !، تشير إلى مسلسل الحجاج الذي عرضته بعض الفضائيات العربية طوال أيام شهر رمضان المنصرم، وتميز بكثرة الرؤوس التي تدحرجت فيه، والدماء التي اصطبغت بها مشاهده ، والعنف الذي اعتمده الحجاج في تحقيق مآربه، وهي في الأساس مآرب الدولة الأموية التي يخدمها، تحت شعارات فضفاضة، اكتشفنا أنه يستخدمها بالقدر نفسه وبالوقت نفسه وللهدف نفسه الذي كان يستخدمها فيه خصومه.
والنكتة، وهي بالمناسبة غير مضحكة كما ترون !، تشير إلى مسلسل الحجاج الذي عرضته بعض الفضائيات العربية طوال أيام شهر رمضان المنصرم، وتميز بكثرة الرؤوس التي تدحرجت فيه، والدماء التي اصطبغت بها مشاهده ، والعنف الذي اعتمده الحجاج في تحقيق مآربه، وهي في الأساس مآرب الدولة الأموية التي يخدمها، تحت شعارات فضفاضة، اكتشفنا أنه يستخدمها بالقدر نفسه وبالوقت نفسه وللهدف نفسه الذي كان يستخدمها فيه خصومه
.
وقد بدا لنا التاريخ العربي الذي رسمه أمامنا المسلسل مشهدا مشهدا عنيفا وموحشا وكئيبا، وفي ذات الوقت كريها ودمويا للحد الذي جعل الكثيرين منا يتساءلون عن مدى مصداقية الحكايات التاريخية التي اعتمد عليها صناع المسلسل وهم يستلون تلك الشخصيات التاريخية من بطون الكتب ويصنعون منها بشرا حقيقيين من لحم ودم يتحركون أمامنا على الشاشة ويأكلون ويشربون ويعشقون ويقولون الشعر ويتزوجون ويضحكون ويحاربون ويسافرون …ولكنهم وبنفس البساطة والعفوية التي يمارسون فيها كل تفاصيل حياتهم الإنسانية ، نجدهم يدحرجون رؤوس أعدائهم ورؤوس أصدقائهم، وأحيانا رؤوس أناس لا يعرفونهم لأسباب تافهة جدا مهما اتخذت من عناوين سرعان ما نكتشف بوعينا الحديث أنها عناوين مزيفة.
وقد بدا لنا التاريخ العربي الذي رسمه أمامنا المسلسل مشهدا مشهدا عنيفا وموحشا وكئيبا، وفي ذات الوقت كريها ودمويا للحد الذي جعل الكثيرين منا يتساءلون عن مدى مصداقية الحكايات التاريخية التي اعتمد عليها صناع المسلسل وهم يستلون تلك الشخصيات التاريخية من بطون الكتب ويصنعون منها بشرا حقيقيين من لحم ودم يتحركون أمامنا على الشاشة ويأكلون ويشربون ويعشقون ويقولون الشعر ويتزوجون ويضحكون ويحاربون ويسافرون …ولكنهم وبنفس البساطة والعفوية التي يمارسون فيها كل تفاصيل حياتهم الإنسانية ، نجدهم يدحرجون رؤوس أعدائهم ورؤوس أصدقائهم، وأحيانا رؤوس أناس لا يعرفونهم لأسباب تافهة جدا مهما اتخذت من عناوين سرعان ما نكتشف بوعينا الحديث أنها عناوين مزيفة
.
هل سالت فعلا كل هذه الدماء في تاريخنا ؟
هل تدحرجت كل هذه الرؤوس ؟
هل امتلأت فضاءاتنا بكل هذه الآهات والحسرات التي أعقبت كل رأس فارق جسده؟
بصراحة أكثر إيجازا وإيلاما وملاءمة للغة الراهنة: هل نحن إرهابيون إلى هذا الحد؟
لا إجابات يمكن أن تخفف من وقع الحقيقة التي يقترحها المسلسل لمشاهديه في هذه المرحلة التاريخية التي هم أحوج ما يكونون فيها إلى اكتشاف تاريخ جديد لهم. تاريخ يمكن أن يرسم لهم ملامح مستقبل أقل ظلمة وظلما.
لا إجابات يمكن أن تخفف من وقع الحقيقة التي يقترحها المسلسل لمشاهديه في هذه المرحلة التاريخية التي هم أحوج ما يكونون فيها إلى اكتشاف تاريخ جديد لهم. تاريخ يمكن أن يرسم لهم ملامح مستقبل أقل ظلمة وظلما
.
لا اجابات.. وكفى !”.
لا اجابات.. وكفى
!”.
والآن، بعد مرور عدة سنوات على ذلك المقال، هل من إجابات؟
والآن، بعد مرور عدة سنوات على ذلك المقال، هل من إجابات؟
الواضح الآن أن تاريخنا يبدو لي أكثر قسوة مما تخيلته وأشرته إليه سابقاً، والأسوأ أن حاضرنا الراهن أيضا يبدو أكثر قسوة من حاضرنا عند كتابتي لمقالي. فالرؤوس المقطوعة أصبحت مشهدا مألوفا ومما يتناقله الناس في هواتفهم النقالة ولا يتحرجون من احتمال رؤية الأطفال له، بل أن الأطفال أنفسهم أصبحوا جزء من بعض تلك المشاهد الدموية التي لن ينجو منها أحد قاتلاً أو مقتولاً، هنا أو هناك، الآن أو غداً،!
الواضح الآن أن تاريخنا يبدو لي أكثر قسوة مما تخيلته وأشرته إليه سابقاً، والأسوأ أن حاضرنا الراهن أيضا يبدو أكثر قسوة من حاضرنا عند كتابتي لمقالي. فالرؤوس المقطوعة أصبحت مشهدا مألوفا ومما يتناقله الناس في هواتفهم النقالة ولا يتحرجون من احتمال رؤية الأطفال له، بل أن الأطفال أنفسهم أصبحوا جزء من بعض تلك المشاهد الدموية التي لن ينجو منها أحد قاتلاً أو مقتولاً، هنا أو هناك، الآن أو غداً،
!
لكن ما يخفف من وطأة كل هذا عليّ شخصيا هو أنني لم أعد أنظر لتاريخنا الدموي باعتباره من خصوصياتنا العربية كما كنت أعتقد وأنا أشارك في حفلات جلد الذات القومية. فالدم الذي سال على جنبات تاريخنا العربي كان مجرد نهر صغير مقارنة بمحيطات الدم التي أغرقت تاريخ الكرة الأرضية بأكمله. وما دحرجه العرب من رؤوس في الماضي والحاضر دحرج الآخرون أضعاف أضعافه ولذات الأسباب التي تنطلق من فكرة التملك والاستحواذ رغم توسلها بالدين والعرق والوطنية وأشياء أخرى كثيرة ليست سوى كذبات صدقها الكثيرون.
لكن ما يخفف من وطأة كل هذا عليّ شخصيا هو أنني لم أعد أنظر لتاريخنا الدموي باعتباره من خصوصياتنا العربية كما كنت أعتقد وأنا أشارك في حفلات جلد الذات القومية. فالدم الذي سال على جنبات تاريخنا العربي كان مجرد نهر صغير مقارنة بمحيطات الدم التي أغرقت تاريخ الكرة الأرضية بأكمله. وما دحرجه العرب من رؤوس في الماضي والحاضر دحرج الآخرون أضعاف أضعافه ولذات الأسباب التي تنطلق من فكرة التملك والاستحواذ رغم توسلها بالدين والعرق والوطنية وأشياء أخرى كثيرة ليست سوى كذبات صدقها الكثيرون
.
إنها طبيعة البشر منذ الجريمة الأولى على الأرض حيث قتل الشقيق شقيقه وستبقى حتى النهاية، أو لعلها ستكون هي السبب الوحيد للنهاية. ولهذا سأغير عنوان مقالي القديم ليكون: نعم.. هذه مقابرنا وهذا تاريخنا، كبشر وليس كعرب وحسب!.
إنها طبيعة البشر منذ الجريمة الأولى على الأرض حيث قتل الشقيق شقيقه وستبقى حتى النهاية، أو لعلها ستكون هي السبب الوحيد للنهاية. ولهذا سأغير عنوان مقالي القديم ليكون: نعم.. هذه مقابرنا وهذا تاريخنا، كبشر وليس كعرب وحسب
!.