التعليم في مواجهة المستقبل

التعليم في مواجهة المستقبل
التعليم في مواجهة المستقبل التعليم في مواجهة المستقبل

خالد بن سالم البسامي

خالد بن سالم البسامي

التعليم كان ولا زال وسيبقى الخط الأول والمحرك الأساسي لكافة قطاعات التنمية لأي بلد، والمقياس الأبرز لمدى تقدم وتطور الدول، فهو العصب الأهم الممتد في جسد المجتمعات، المتطلعة لمستقبل مشرق، فلولا العلم لما وصل العالم اليوم لهذا المستوى الهائل والمدهش من التقدم المعرفي والتكنولوجي في شتى المجالات، فالفضل كل الفضل بعد الله لتلك النفوس الممتلئة ثقة ويقينا وإيمانا بأن العقل البشري إذا ما أُحسن توجيهه وترويضه بالعلم والتعلم فإنه بلا أدنى شك سيبدع ويبتكر مطوِعا ومسخِرا بذلك جميع الإمكانات والموارد في خدمته وخدمة الإنسانية جمعاء، محققا الاستخلاف الحقيقي للإنسان على هذه الأرض، مستفيدا من أعظم وأجل نعم الله عليه ألا وهو العقل.

ولتحقيق ذلكم التناغم الوجودي لتلك العقول فهو بلا شك بحاجة إلى بيئة ومنظومة تعليم قادرة بإرادة متجذرة في صياغة الأساليب المستنيرة لإعمال الفكر والعقل البشري، بحيث يكون قادرا على التأمل والتدبر والتفكر في نفسه ومحيطه (كَذلِكَ يُبَيّنُ الله لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة / 242)، ممتلكا بذلك كفايات المستقبل الأساسية، وقادرا على التعاطي السليم والمتزن مع متطلبات ومتغيرات الواقع.

والمطلع على الأنظمة التعليمية الرائدة على مستوى العالم كفلندا وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وكل الدول المتقدمة حسب المؤشرات التعليمية العالمية كمؤشر بيرسون، يدرك جيدا حجم الجهد الذي تبذله هذه الدول في إكساب وتعليم طلابها مهارات وكفايات تمكًنهم وترسخ فيهم القدرة على مواجهة الحياة، فهي تغرس فيهم حب الاستكشاف وحب الاطلاع وتربيهم على الابداع والابتكار لا على التماثل والنُسخِ المكررة، كل هذا وأكثر ليساهموا في تطوير مستقبل بلدانهم وخدمة أوطانهم ومجتمعاتهم والإنسانية عبر العالم الفسيح.

سلطنة عمان وبسبب الأزمة الاقتصادية المتمثلة في تدهور أسعار النفط على مستوى العالم، تسعى وبخطى حثيثة في بناء مجالات وقنوات اقتصادية مختلفة كأحد خطوات التنويع الاقتصادي الذي من شأنه أن يعزز الاقتصاد العماني ويؤسس لمستقبل قادر على مواجهة التغيرات والطفرات المفاجئة في عالم المال، والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي (تنفيذ) الذي أطلقته السلطنة مؤخرا هو خير دليل على الرغبة الجادة والحقيقية نحو بناء اقتصاد واسع يشمل خمس قطاعات رئيسية كمرحلة أولى هي الصناعات التحويلية، والسياحة، وسوق العمل والتشغيل، والقطاع المالي، وكلنا أمل في أن تخطو هذه القطاعات الحيوية خطواتها الممنهجة للتنفيذ في المرحلة المقبلة، وهذا ما لمسته أثناء زيارتي لمرحلة المشاركة المجتمعية في مركز عمان للمعارض قبل شهرين تقريبا.

إن المتأمل في هذا الحراك الاقتصادي الإيجابي للسلطنة يدرك جيدا مدى أهمية الموائمة وربط كل هذا العمل بقطاع التعليم، ذلك أن الوضع الاقتصادي لأي بلد قائم بالدرجة الأولى على الممكنات التربوية والتعليم في كافة مستوياته العام والخاص والعالي، والمتمثلة في كفايات القرن الواحد والعشرين كالابتكار والابداع والتفكير والتأمل والثقافة وغيرها، وخلق جيل مؤهل علميا وفكريا لسوق العمل، لديه القدرة على دفع حركة الاقتصاد نحو الثبات والقوة والتطوير، فهذا بحد ذاته كفيل لبناء دولة متماسكة اقتصاديا وتعليميا، ولن تقوم تنمية إلا بثلاثة أمور كما ذكرها الراحل الدكتور غازي القصيبي في كتابه (التنمية…الأسئلة الكبرى) وهي التعليم ثم التعليم ثم التعليم!

فالدور الأكبر في المرحلة المقبلة يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، فهي المعني الأول بتشكيل الخطوط العريضة لشخصية وفكر الإنسان العماني، والتي لم تألوا جهدا في سبيل تحسين وتطوير هذا القطاع، ولا نشك قيد أنملة في ذلك، فحاليا ومن خلال فريق من المختصين تعكف الوزارة في إعداد إطار تجويد التعليم المدرسي لتكوين رؤية وخطة استراتيجية طويلة المدى ( 2016-2040) للتعليم المدرسي والعمل على تطوير كافة قطاعاته، إلى جانب تنفيذ عدد من الدراسات والبحوث في سبيل الرقي بالعملية التربوية التعليمية.

إن الاشتغال والكدح في وضع الخطط والاستراتيجيات وبناء التصورات والدراسات سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى التعليمي وغيرها من المجالات، إن لم يصحبه هم ورغبة في التنفيذ، وأن الوطن هو الهم الأول والأخير فلن يجدي نفعا وسنرجع خطوات وخطوات للوراء، فخطط وأهداف كثيرة وُضعت ورسمت قبل عشرات السنوات خاصة الاقتصادية منها، لم يُكتب لها النور.

ثقتنا بهذا الجيل والأجيال القادمة كبيرة، فمستقبل عمان معقود على نواصينا جميعا فإما أن نكون أو لا نكون، والكرة في مضرب الكل من مسؤولين وغيرهم، ولا أظن بأن هناك حصيف يرضى بأن يتكرر سيناريو التأرجح والتراجع، فعمان بقيادة الرجل العظيم رجل العلم والسلام السلطان قابوس تستحق منا أن نبذل في سبيلها كل ما يمكن.

*الصورة من الشبكة العنكبوتية

Your Page Title