أثير- سيف المعولي
قبل كل شيء لا بد أن أعترف بأن قراءاتي للكتب والإصدارات بمختلف أنواعها قليلة؛ ربما لكثرة الانشغالات كوني أعمل في الصحافة الإلكترونية التي تتطلب حضورًا متواصلًا على “الهاتف”، أو لعدم حضور “الشغف القرائي” لدي منذ الصغر حتى الآن، وليس أصدق من ذلك ما عاناه د.سعيد السيابي والأستاذ محمد الرحبي والزميل عبدالله العبري خلال زيارتنا للقاهرة في رمضان الماضي؛ يوم أن كان نقاشهم عن القراءات والكتب منذ قيامهم من النوم حتى رقادهم، بينما أنزوي أنا بعيدًا، متسمرًا على الهاتف؛ للبحث عن “خبر” هنا وهناك!
هذا “الشغف” الذي أفتقده أحسست به أثناء قراءتي العابرة لكاتب عُماني تعوّدت قراءة مقالاته في مجلة “التكوين” وأحيانًا في جريدة الرؤية؛ يوم أن دعاني الزميل المذيع عبدالله السعيدي إلى قراءة كتاب “بأعمالهم لا بأعمارهم..شخصيات..ومواقف..وأحداث” للأستاذ زاهر بن حارث المحروقي أثناء عودتنا من سوريا إلى السلطنة بعد أسبوع من التغطية الإعلامية هناك.
ولأعترف مرة أخرى؛ فلم يكن قبولي لدعوة القراءة بهدف الشغف، وإنما من باب “تمضية الوقت” في رحلة تستغرق ثلاث ساعات تزيد أحيانًا وتنقص، مع علمي سلفًا بأسلوب المحروقي الجميل في تناول الموضوعات عبر مقالاته المختلفة.
كان عنوان الكتاب بالنسبة لي طُعمًا؛ كيف لا، وأنا المسكون بالحوارات الشخصية التي أستمتع بإجرائها، وأفردنا لها مساحة في صحيفة “أثير” تحت مجال القصة الخبرية، وقد لاقت استحسانًا وقبولًا دلّت عليه نسبة القراءات والمشاهدات الكبيرة في أرقامها التي تعدّت في أحدها الـ 40 ألف قراءة خلال يومين فقط.
إذًا، أنا أمام سِير شخصيات عمانية وغير عمانية لا أعرفها، أو أعرف البعض باسمها فقط، دون الخوض في سبر أغوارها، ومعرفة تفاصيل كثيرة عنها استطاع المحروقي شدّ انتباهي لها كثيرًا، لدرجة أنني تنازلت عن الوجبة في الطائرة حتى لا تضيع عني دقائق أُحرَم خلالها من مواصلة القراءة.
كان أسلوب المحروقي في كتابه ذا “بساط أحمدي”، كأنه يحكي لك قصة أمامك، يتسلسل في الأفكار بشكل يجعل عينيك تمرّان على السطر بعد الآخر وكأنهما تتابعان فيلمًا سينمائيًا، بينما أذناك تنصتان للحروف المكتوبة، و”تصلجان” عن سماع مَن حولك، وهنا اعتذار للزميل الصحفي خميس الصلتي الذي كان جالسًا بجانبي، ويتحدث بكلام لغته شاعرية، بينما تحوّلت أنا “كلي” إلى الكتاب.
أثناء قراءتي لما حواه الكتاب من سرد وتشويق، جاءتني رغبةٌ قويةٌ للكتابة عنه، لا أعرف سببها، لكنها حتمًا ليست قراءة نقدية أو أدبية؛ فلست أهلًا لذلك، بل هي مكامن الروح التي تريد البوح بما تشعر به. وصلت الصفحة 137، وأغلقت الكتاب مع وضع علامة للرجوع إليه. وبشعور الخائف من فقدان شيء أو نسيانه أمسكت الهاتف، ودخلت على الملاحظات، ودوّنت ما قرأتموه في السطور السابقة، والآن سأعود إليه مرة أخرى، لأصل مسقط وقد رافقني في رحلتي أشخاصٌ تحمّست لمحاورة بعضهم وجهًا لوجه، أولهم المحروقي نفسه.