عبدالباسط بن سليمان العبري – عضو لجنة أوضاع اللاعبين بالاتحاد العماني لكرة القدم
الأحداث التي تشهدها الساحة العالمية اليوم وهي انتشار وباء كوفيد 19، قد أثرت سلبيا على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد مست أحد أهم الجوانب الأساسية في حياتنا اليومية وهو ممارسة الرياضة التي يمارسها أغلب سكان الأرض سواءً في الأندية أو الملاعب الفرعية أو الشواطئ أو على الطرقات أو الصالات الرياضية وغيرها، وعليه قامت دول العالم بتعطيل الحركة الرياضية كلً حسب تقديره للوضع في بلده.
تلك الإجراءات اتخذتها الدول بهدف المصلحة العامة ولعدم انتشار هذا الوباء بين الممارسين والمشاهدين والمتابعين وأيضا من أجل القضاء عليه لاعتبار أن “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.
إلا أن هناك فئة محددة تمارس ذلك النشاط بشكل منظم وباحترافية، وهم ما يعرفون في التنظيمات الرياضية بعقود الاحتراف سواءً كانوا لاعبين أو مدربين أو فنيين وغيرهم ممن تنطبق عليهم التسمية، وتشكل تلك العقود مصدر عيش ودخل لهم ولأسرهم.
وقد أصيبت تلك العقود بالشلل التام جراء انتشار وباء كوفيد 19نتيجة تعليق الحكومات والاتحادات المعنية الأنشطة والمسابقات الرياضية، وبالتالي تسبب في أزمات مالية للأندية واللاعبين والرعاة والمستثمرين والمنتفعين، كما هو الحال مع الاتحاد الوطني العماني وتسببه في عملية إرباك في أجندة الموسم الكروي الحالي والموسم القادم وبعض الاستحقاقات الخارجية.
وقام الاتحاد الدولي “فيفا” باتخاذ عدة خطوات باعتباره السلطة العليا والمشرعة لنشاط كرة القدم في العالم، وذلك في بيان عبر موقعه الرسمي على الإنترنت، وإن هذه التوصيات والمبادئ تم اتخاذها من قبل فريق عمل يرأسه فيتوريو مونتاجلياني نائب الرئيس لجياني إنفانتينو، بعد تشاوره مع ممثلين عن الأندية واللاعبين والدوريات والاتحادات الوطنية.
ومن المفترض أن تنتهي عقود اللاعبين -لا سيما في أوروبا- مع انتهاء الموسم الذي كان عادة ما يكون في نهاية شهر يونيو/2020، لكن مع الوضع الحالي وفي ظل تعليق الدوريات في أغلب دول العالم، ظهرت معضلة متعلقة باللاعبين الذين تنتهي عقودهم هذا الصيف، في ظل وجود احتمال قوي بانتهاء الموسم بعد شهر يونيو، أي بعد الوقت الذي تمتد إليه العقود.
وأوصى فيفا في هذا الشأن بأن تنتهي عقود اللاعبين في الوقت الفعلي الذي ينتهي فيه الموسم بعد استكماله، مُشيرًا في بيانه إلى أن الأمر نفسه ينطبق على عقود الصفقات الجديدة، التي كان من المقرر أن تبدأ مع بداية الموسم الجديد، حيث أوصى بأن يتأخر سريان هذه العقود لتبدأ مع بداية لموسم التالي أياً كان موعد بدايته.
وأكد “فيفا” بأنه سيكون مرنا وسيسمح بنقل مواعيد سوق الانتقالات، بحيث تقع بين نهاية الموسم القديم وبداية الموسم الجديد، مشيرا إلى ضرورة تعديل الوضع التنظيمي لتتلاءم مع الظروف الجديدة، كما أكد بأنه سيضع في الاعتبار الحاجة إلى حماية النظام ونزاهته وسير عمل المسابقات، بحيث لا تكون النتائج الرياضية لأي منافسة غير عادلة أو معطلة.
وأوضح الاتحاد الدولي ضرورة إيجاد حلول عادلة ومنصفة بالنسبة لرواتب اللاعبين للخروج من هذه الأزمة، وحماية الوظائف وتحقيق توازن عادل ومعقول للمصالح بين اللاعبين والأندية، كما أنه شجع الأندية واللاعبين على العمل معا لإيجاد اتفاقيات وحلول خلال الفترة التي يتم فيها تعليق كرة القدم، وإذا لم تتوصل الأطراف لاتفاق فيما بينها بهذا الصدد، فإنه سيقوم بالتحقيق في عدة أمور لحل المشكلة، أبرزها ما إذا كانت هناك محاولة حقيقية من قبل النادي للتوصل إلى اتفاق مع اللاعبين، والوضع الاقتصادي للنادي، وصافي دخل اللاعبين بعد أي تعديل للعقد، والتعامل بمساواة مع كل اللاعبين.
وعليه فقد لجأت أغلب الأندية الأوروبية لخيار تخفيض رواتب اللاعبين الباهظة، من أجل تخفيف حدة الأضرار والخسائر المالية بقدر المستطاع، مثلما فعل برشلونة الإسباني بالاتفاق مع لاعبيه بخصم 70% من رواتبهم الشهرية خلال الفترة المقبلة، واتفق يوفنتوس على خصم رواتب 4 أشهر مقبلة لتوفير نحو 90 مليون يورو.
الوضع القانوني للعقود
طالما وجدت علاقة تعاقدية في أي نظام بين طرفين أو عدة أطراف، وجد لها الغطاء القانوني لحماية الالتزامات المذكورة في العقد ولما قدر أن يكون الإخلال بالعقد لسبب أجنبي خارج عن إرادة المتعاقدين ولوجود خسائر فادحة قد تلحق بالطرفين أو ترهق أحدهم فإن الأمر يقتضي تدخل المعنيين، وهم السلطة المختصة المنظمة لعملية النشاط كالاتحاد الدولي والاتحاد المحلي والوزارة المعنية، وذلك للموازنة والمواءمة بين إلتزامات الأطراف وترده إلى الحد المعقول.
وعليه من الضروري بدايةً معرفة نظرية القوة القاهرة، وما هي الشروط التي بها تتحقق القوة القاهرة، وقد كرست أغلب التشريعات العربية نظرية الظروف القاهرة وهي ( إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها تنفيذ الالتزام، وإن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي طبقا للظروف وسد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، إن اقتضت العدالة ذلك، ويقع باطلا كل التزام على خلاف ذلك).
وعليه يشترط لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة توافر ثلاثة شروط:
1- أن يجد بعد صدور العقد وقبل تنفيذه حوادث استثنائية عامة، مثل: زلزال أو بركان أو حرب إذا قدر الله أو أمراض أو أعاصير.
2- أن تكون هذه الحوادث الاستثنائية العامة ليس في الإمكان توقعها، ولا في الوسع دفعها.
3- أن تجعل هذه الحوادث تنفيذ الالتزام مرهقا لا مستحيلا – وإرهاق المدين معيار مرن يتغير بتغير الظروف.
وقد نص قانون المعاملات المدنية العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 29/2013 في حالة استحالة تنفيذ الالتزام في المادة (339)، “ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه”، والفرق بين القوة القاهرة والظرف الاستثنائي هو أن القوة القاهرة هي كل حادث عام لاحق على تكوين العقد، غير متوقع الحصول عند التعاقد، وينجم عنه اختلال بين المنافع المتولدة عن عقد يتراخى تنفيذه إلى أجل، ويصبح تنفيذ المدين لالتزامه كما أوجبه العقد مرهقا إرهاقا شديدا، ويتهدده بخسارة فادحة تخرج عن حد المألوف، كما أن مفاد نظرية الظروف الطارئة أنه في حال وأن حدثت أثناء تنفيذ العقد ظروف لم تكن متوقعة عند إبرام العقد وألحقت بالمتعاقد خسارة جسيمة تتجاوز الخسارة العادية المألوفة، فإن من حق المتعاقد المتضرر أن يطلب من الطرف الآخر مشاركته في الخسارة التي تحملها، فتعوضه عنها تعويضا جزئيا.
من جانبه، حسم الاتحاد العماني لكرة القدم الأمر فأصدر التعميم رقم 11/2020 والخاص بتقرير فريق عمل الاتحاد الدولي لكرة القدم حول الإجراءات الواجب اتخاذها خلال فترة انتشار فيروس كورونا covid-19 ، وإلى قرار مجلس إدارة الاتحاد العماني لكرة القدم في اجتماعه الطارئ الذي عقد في 18 مارس الماضي حول مسابقات الموسم الكروي 2019/2020 ، حيث تدارس الاتحاد تقرير فريق العمل بالاتحاد الدولي لكرة القدم ، وشملت الإجراءات جميع الجولات المتبقية من الموسم الكروي الحالي لدوري عمانتل ودوري الدرجة الأولى ومسابقة الكأس الغالية ما عدا نهائي الكأس للموسم الحالي والذي سيسمح فيه بمشاركة اللاعبين الذين سيتم تسجيلهم للموسم القادم 2020/2021م، حيث تقرر الآتي :
أولا: إنهاء عقود اللاعبين والعقود الجديدة.
1- في حالة انتهاء عقد اللاعب مع ناديه الحالي بنهاية الموسم الرياضي 2019/2020م يتم تمديده حتى تاريخ الانتهاء الجديد للموسم، ولن يستطيع اللاعبون إنهاء عقودهم ومغادرة الأندية بدون موافقة النادي أثناء فترة تمديد الموسم الحالي.
2- في حالة التعاقد الجديد للموسم الرياضي 2020/2021 يبدأ عقد اللاعب مع ناديه الجديد اعتبارا من تاريخ بدء الموسم الرياضي الجديد ولا يحق له المشاركة مع ناديه الجديد إلا بعد استكمال الجولات المتبقية للموسم الرياضي 2019/2020م مع ناديه السابق.
3- الأندية لا تتحمل رواتب اللاعبين والأجهزة الفنية خلال فترة توقف المسابقات من 14 مارس 2020 وإلى حين بدء التدريبات استعدادا لاستكمال الجولات المتبقية للموسم الرياضي 2019/2020م.
4- على الأندية دفع مستحقات اللاعبين والأجهزة الفنية وفق العقود للفترة من بدء الاستعداد لاستكمال المباريات المتبقية للموسم الرياضي 2019/2020 وإلى انتهاء المباريات المتبقية من الموسم الرياضي 2019/2020م.
5- في حالة عدم تمكن اللاعب الاجنبي / المحلي من استكمال الجولات المتبقية من الموسم الحالي 2019/2020 مع ناديه، فإنه لا يحق للنادي المطالبة بتسجيل أو إحلال لاعب آخر أو جديد بدلا منه.
6- هذا التمديد تسري عليه جميع اللوائح القانونية للجان الاتحاد العماني لكرة القدم في حال عدم التزام أي من الأطراف بما ورد أعلاه يعرضه للعقوبات الواردة في لائحة الانضباط واللوائح الاخرى بالاتحاد العماني لكرة القدم.
ثانيا: فترات التسجيل والانتقال
سيتم فتح فترة التسجيل الأولى بعد استكمال المباريات المتبقية من الموسم الرياضي 2019/2020م (عدا المباراة النهائية لكأس جلالة السلطان المعظم) ولمدة (84) يوما وفترة التسجيل الثانية سيتم فتحها لمدة (28) يوما.
ثالثا: تنفيذ القرارات الصادرة عن لجان الفيفا والاتحاد العماني لكرة القدم
– لن يتم منح أي استثناء أو وقف أو تأجيل تنفيذ أي من القرارات الصادرة عن لجان الفيفا أو الاتحاد العماني لكرة القدم (غرفة فض المنازعات أو لجنة الانضباط) والمتعلقة في الامور التعاقدية وأمور أوضاع وانتقالات اللاعبين.
المعيار الذي استقر في عقيدة الاتحاد العماني هو معيار موضوعي بحث في موضوع العقد دون أن يلتفت إلى باقي الإجراءات وما يترتب عليه ولعله راعى مصلحة الطرفين والظرف العام المحيط بالتعامل مع الجائحة، وطبق أخف الضررين.
وفي ظل العرض أعلاه نجد أن الجهة التي تصدت لتحديد نوعية جائحة كوفيد 19 بالنسبة لمختلف العقود التي أبرمت بسبب شأن رياضي واعتبرها ظرفا استثنائيا طارئا يخرج عن إرادة الأطراف أم جائحة عابرة لا تستدعي اتخاذ تدخل مباشرة وإجراء معين هو الاتحاد العماني لكرة القدم، وذلك عندما أصدر التعميم المذكور أعلاه وحدد التزامات كلا الطرفين خلال فترة التوقف بمعناه اعتبر جائحة كوفيد 19 ظرفا استثنائيا طارئا وتنطبق عليه نظرية الظروف الطارئة.
ومن وجهة نظرنا العامة فإننا نجد أن التوقف بسبب الجائحة وقع في المراحل الأخيرة من نهاية العقد، والأصل أن الأطراف قد التزمت ونفذت جميع الالتزامات السابقة عن التوقف، وهي المسافة الأهم والاطول من المسافة المتبقية من نهاية العقد وهي الثلاث جولات الأخيرة من الدوري ومسابقة كأس جلالة السلطان، وأن أغلب العقود وقعت فقط لموسم واحد، وأن الطرف الأكثر ضررًا من هذه العقود هو النادي باعتبار أن الغاية من العقد هو تحقيق نتيجة وهو تحقيق الفوز واعتلاء منصات التتويج أو المحافظة على الصدارة أو عدم الهبوط إلى درجة أقل، وأنه التزم بما يعادل 95% من قيمة العقد الإجمالية.
وإذا أثير أي نزاع بشأن عقد رياضي، فالأولى إبراء الأطراف من مسؤولياتهم التعاقدية التي يصعب الوفاء بها بسبب ظروف استثنائية خارجة عن إرادتهم وتخرج عن نطاق سيطرتهم، ولا ينقضي التزام المدين لأن الحادث الطارئ ليس قوة قاهرة، ولا يبقى التزامه كما هو لأنه مرهق، وبذلك تكون الحاجة ملحة لإعادة التوازن بين الالتزامات المتقابلة للمتعاقدين فيرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول حتى يطيق المدين تنفيذه، يطيقه بمشقة ولكن في غير إرهاق. ومن ثمَّ يكون المجال واسعا أمام القاضي لإعمال سلطته التقديرية في تقدير حجم الخسائر وتوزيعها بين الطرفين بما يُعيد التوازن في العلاقات العقدية بينهما، وعليه فإن الاتحاد المعني باللعبة يفصل في تلك الحالات حسب مقتضي العدالة بعد الموازنة بين الأطراف مراعاة عدم إرهاق أي من الطرفين.