تاريخ عمان

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

مسقط – أثير

إعداد: سعيد بن خالد العمري

في 15 يونيو 1903م غادرت السفينة الفرنسية ” أميرال جيودون “ ميناء مرسيليا الفرنسي متوجهة إلى سايغون في فيتنام وعلى متنها 56 مسافرًا عدا الطاقم بقيادة القبطان جوستاف لوغري، وبعد عبور باب المندب وعلى بعد 50 ميلا من جزيرة سقطرى واجهت عاصفة بحرية عاتية تسببت في حريق مروع جراء انفجار خزان الوقود الأمامي لم يتمكن الطاقم من السيطرة عليه، وبعد أربعة أيام وسط الأمواج العاتية والنيران جنحت السفينة على شاطئ حاسك بتاريخ 2 أغسطس 1903م، وبعد 46 يومًا من المعاناة على الساحل العربي تمكن الناجون من الركاب والطاقم من العودة إلى ميناء مرسيليا على متن الباخرة سلازي في 6 أكتوبر من العام نفسه.

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

تناقلت الصحف الفرنسية حادثة السفينة جيودون باهتمام بالغ وتصدر الخبر العناوين الرئيسية وافتتاحيات عشرات الصحف التي نقلت تفاصيله ويومياته وقصة شيخ مرباط الذي قام بحماية ومساعدة الركاب والطاقم، وأشادت بموقفه الإنساني النبيل وطالبت حكومة فرنسا بتكريمه التكريم اللائق .

ووفق تقرير الكابتن جوستاف لوغري قبطان السفينة جيودون الذي نشرته صحيفة ” لو تومب “ الباريسية في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 1903/10/7م تحت عنوان « شيخ مرباط » :

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

“جنحت الباخرة في 2 أغسطس على خليج رملي في رأس حاسك، أقمنا مخيمًا للركاب الذين عاشوا ستة وأربعين يوما معزولين عن العالم المتحضر على الساحل العربي الموحش، بدأت تصل إلينا أعداد من السكان المحليين من قرية حضبرم التي كانت تبعد عن مخيمنا مسافة 8 كم، خشينا من تعرضنا للنهب، يجب الاعتراف أن هؤلاء السكان المحليين كانوا لطفاء معنا وقاموا بإرشادنا إلى نبع قريب يبعد 6 كم عن مخيمنا، في 12 أغسطس جاء بدويَّان على جملين وفهمت أنهما ذاهبان إلى مسقط، بعثت معهما رسالة إلى قنصلنا هناك، أعطيتهما 100 فرنك وهي آخر ما تبقى لديَّ، لم أكن واثقاً في هؤلاء ولكن ربما تكون هناك فرصة محدودة للنجاة، في 23 أغسطس وصل إلينا عربي تدل ثيابه على أنه تاجر وأبلغنا أن شيخ مرباط في طريقه إلينا وسيصل في غضون يومين، استقبلنا الخبر بالفرح والترحيب. في 25 أغسطس وصل شيخ مرباط محمد بن سالم بن لبخيت في موكب كبير مكون من مائة من الرجال المسلحين وأربعين جملا، قال لنا بأن الأخبار وصلت إليه من بعض العرب المسافرين وأننا أصبحنا من الآن تحت حمايته ولا داعي للخوف والقلق وسوف يعمل على توفير السفن لنقلنا إلى مسقط عندما تهدأ الرياح في منتصف سبتمبر وإلى غاية أن يتم ذلك يمكننا اعتبار هذا الجزء من الشاطئ قطعة من أرض فرنسا، لقد تأثرنا كثيرا بهذا الموقف النبيل، كانت له سلطة كبيرة جدا بين السكان المحليين، لقد كان هذا الشيخ إنسانيا ورائعا حقا وجدير بمكانته بين قومه، قدم لنا دعوة أن يأخذنا جميعا إلى مرباط حيث يمكن توفير السفن سريعا هناك، لكنني اعتذرت لصعوبة نقل 56 من الركاب المصابين والمنهكين في رحلة ستستغرق خمسة أيام في الجبال الوعرة فتفهم وضعنا.

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

ويضيف الكابتن لوغري : ” في 29 أغسطس غادرنا الشيخ محمد بن سالم إلى مرباط ووعد أن يعود مع المراكب الشراعية واستصحب معه الملازم تشارميسون وكابيرول ميكانيكي السفينة وأبقى عندنا أحد أقاربه وأربعة من رجاله الذين يستحقون كل الشكر والثناء، في 14 سبتمبر عاد الشيخ محمد مع المراكب الشراعية التي استأجرها من الربان يوسف والربان سالم بمبلغ 750 فرنكا لكل مركب، وأكد لهما أن نائب السلطان في ظفار سيكتب إلى القنصل الفرنسي في مسقط ليقوم بسدادها ووقعت لهما ورقة بذلك”.

صحيفة ” لو بوتي جورنال “ الباريسية نشرت كذلك في افتتاحية عددها الصادر في 1903/10/7م تحت عنوان « رحلة الأميرال جيودون الرهيبة والكرم العربي في الصحراء » ما يلي :

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

“من مذكرة الملازم تشارميسون التي وردت في تقرير الكابتن لوغري؛ غادرنا مخيمنا في حاسك مع صديقنا الجديد الشيخ محمد بن سالم في 29 أغسطس وبعد مسافة طويلة عبر جبال جرداء، وصلنا في 1 سبتمبر إلى قرية بندر سدح التي تتكون من عشرة منازل مبنية من الطين والحجر تحيط بها حوالي مائة من الأكواخ الخشبية، قُدمت لنا القهوة والشاي والحليب، وفي صباح 4 سبتمبر وصلنا مرباط ، إنها بلدة كبيرة نوعا ما والميناء عبارة عن خليج صغير فيه العديد من المراكب الشراعية، استضافنا الشيخ محمد في منزله الخاص وأحاطنا بكل العناية والاهتمام، خلال مدة إقامتنا قدم عدد من السكان المرضى الذين علموا بوجودنا في مرباط واستطعنا علاج بعض الحالات، وفي 12 سبتمبر أبحرنا في ثلاثة مراكب شراعية مع عدد من العرب، وفي مساء 14 سبتمبر وصلنا حاسك، الشيخ محمد أمر رجاله بإطلاق النار تحية للقبطان لوغري الذي استقبلنا في قارب صيد، في 17 سبتمبر صعدنا المراكب الشراعية وودعنا الشيخ محمد بن سالم الذي أصر على البقاء للتأكد من سلامة رحيلنا، شكرناه باسم فرنسا على المساعدة الإنسانية التي قدمها لنا، ليس صحيحا ما ذكرته البرقيات الإنجليزية أنه رفض العلم الفرنسي الذي قدمته له كتذكار، لم يتم تبادل الهدايا بيننا، ألقينا نظرة أخيرة على حطام الباخرة والشاطئ الذي لن يمحى من ذاكرتنا للأبد، في 18 سبتمبر فقدنا مركبا شراعيا عند رأس صوقرة بسبب الطقس السيئ ومن المؤسف أنهم صادفوا سفينة إنجليزية رفضت مساعدتهم رغم أنهم رفعوا لها العلم الفرنسي، وفي 19 سبتمبر قامت الباخرة الروسية ” تروفور“ بإنقاذنا في رأس مدركة، القبطان الروسي وينجرنوسكي رحب بالفرنسيين بحفاوة كبيرة وتمكن من العثور على المركب الثالث، وفي 23 سبتمبر وصل جميع طاقم وركاب الأميرال جيودون إلى ميناء عدن” .

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

صحيفة ” لو بوتي باريسيان “ في عددها الصادر بتاريخ 1903/9/27م أشادت بمساعدة شيخ مرباط تحت عنوان «هدايا العام الجديد من شيخ مرباط» على النحو التالي :

” إنه رجل من خارج حضارتنا لكن السمات الجميلة والمشاعر الإنسانية تهيمن عليه، من السهل أن نتخيل ما يمكن أن يكون مصير هؤلاء المسافرين التعساء لولا مساعدة شيخ مرباط النبيل، النهب والأسر وبيعهم في سوق العبيد، حكايات المسافرين في الساحل العربي السيئ السمعة مليئة بهذا النوع من القصص لعدة قرون، لكن شيخ مرباط محمد بن سالم بن لبخيت يضرب لنا معاني سامية لشيخ عربي من طراز مختلف، فرنسا كلها في الواقع ممتنة لهذا الشيخ، إنه يستحق مكافأة تليق بما قدمه لأبناء وطننا، الكابتن لوغري طلب من وزير خارجيتنا تكريمه بوسام الشرف مع خطاب شكر أسوةً بالقادة العرب في الجزائر الذين خدموا فرنسا من أجل السلام والإنسانية” .

صحيفة ”جورنال دي سالونيك “ في عددها الصادر بتاريخ 1903/10/19م تحت عنوان « شيخ مرباط » طالبت أيضا بتكريمه للمساعدة والحماية التي قدمها لركاب وطاقم السفينة الفرنسية على النحو التالي :

” إن ما فعله شيخ مرباط لا يمكن تجاهله، إنه لا يقرأ صحافتنا ولا يعلم أن اسمه مذكور فيها بامتنان وتقدير، إن كلماته التي قالها للكابتن لوغري: ( اعتبر هذا الشاطئ قطعة من أرض فرنسا ) تدل على أنه يعرف اسم بلدنا ومصطلحات الإنسانية والعدالة الروحية، إنه لم يقدم خدمة لعائلات الركاب وملاك السفن فقط وإنما لفرنسا نفسها، شركات النقل البحري ترغب في تقديم الشكر لشيخ مرباط عبر مكافأة مالية وهدية من الأسلحة الخفيفة التي تحظى بإعجاب العرب، يجب أن تقوم الحكومة بإرسال شهادة رسمية تعبر عن امتنانها وتقديرها للذين يقدمون خدمة لأبنائها في الشواطئ القاصية” .

وبتاريخ 1904/6/6م ذكرت صحيفة ” لو جورنال “ الباريسية أن الطراد الحربي داساس ” D’ASSAS “ التابع للبحرية الفرنسية غادر من سايغون متوجها إلى جيبوتي وتوقف في ميناء مرباط في 1904/3/15م لتقديم التحية والشكر للشيخ محمد بن سالم بن لبخيت العمري لما قدمه من حماية ومساعدة لطاقم السفينة جيودون وبحسب ما نشرته اللو جورنال :

“جاء الشيخ محمد في مشهد عسكري مهيب لزيارة سفننا مع مجموعة من رجاله كلهم يرتدون ملابس حمراء داكنة، في زورق مع مجدفين سود مسلحين بالرماح والحراب مع خناجر معقوفة ثقيلة، أطلعنا على شهادات الشكر من قبطان السفينة أميرال جيودون الغارقة، قوبل على الفور بترحيب كبير للغاية “، كما نشرت صحيفة ” لو بتيت باريسيان “ في عددها بتاريخ 1904/6/6م رسما تخيليا يجسد صعود الشيخ محمد بن سالم بن لبخيت العمري إلى ظهر الطراد الحربي داساس .

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

وبتاريخ 19 سبتمبر 1904م أرسل ويليام جراي القنصل البريطاني في مسقط برقية إلى وكيل وزارة الخارجية في حكومة الهند مفادها أن القنصل الفرنسي في مسقط أبلغ السلطان فيصل برغبة الحكومة الفرنسية في تقديم الشكر لشيخ مرباط على حماية الأميرال جيودون التي جنحت في حاسك العام الماضي، وذكرت تقارير القنصلية أن سفنا من البحرية الفرنسية توقفت في مرباط لهذا الغرض .

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

وفي برقيته إلى وزير دولة صاحب الجلالة للمستعمرات في لندن بتاريخ 19 يناير 1926م أبلغ جي.اتش.كي. ستيوارت المقيم السياسي في عدن أن السفن الحربية الفرنسية ” موندمنت ” و ” أليرتي ” قد زارتا مرباط على الساحل الجنوبي العربي بين 18 و 26 نوفمبر 1925م لتقديم التحية للشيخ علي بن محمد بن سالم البخيت العمري حيث سبق وأن قام والده بحماية السفينة الفرنسية في حاسك سنة 1903م .

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

جدير بالذكر أن شركة بريم للفحم البريطانية قامت بشراء السفينة الفرنسية ” أميرال جيودون “ الجانحة في حاسك، وقد أرسلت الشركة خطابًا بذلك للشيخ محمد بن سالم بن لبخيت العمري حول ذلك، وبعد ذلك  تم سحبها إلى مرباط، وبعد ترميمها وبتاريخ 1903/12/10م أبحرت إلى جزيرة بريم الواقعة في البحر الأحمر .

الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م
الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م الشيخ العُماني الذي كرّمته فرنسا سنة 1904 م

المراجع

المراجع

– أعداد الصحف الفرنسية لو بوتيت باريسيان، لو جورنال، لو بوتي جورنال، لو ويست إيكلير، لو تومب، لو ماتين، جورنال دي سالونيك، لو فيغارو ( سبتمر ١٩٠٣م – فبراير ١٩٠٤م) /gallica.bnf.fr

– تقارير إدارية للمقيمة السياسية في الخليج العربي والوكالة السياسية في مسقط الفترة من (١٨٩٢-١٩٠٥م) ، مكتبة قطر الرقمية .

– دليل الخليج، ج.ج.لوريمر، القسم التاريخي، ج٢، ص ٨٧٧ ، ٩١٨ .

– مرباط عبر التاريخ، بحث المكانة التاريخية لولاية مرباط ، ص ١٧٢ .

Your Page Title