الدكتور بدر المسكري كلية الحقوق – جامعة السلطان قابوس
الجنسية هي الرابطة القانونية بين الفرد والدولة، وهي الأداة التي يمكن بموجبها لكل دولة أن تحدد ركن الشعب فيها. وتعبر الجنسية عن سلطة شبه مطلقة لكل دولة، فهي التي تحدد من يحق له الانتماء لشعبها من عدمه، فلكل بلد الحرية في تحديد من يحظى بولايته ورعايته.
وإذا كانت للدولة سيادة إقليمية على كل الوقائع والأحداث التي تقع على إقليمها البري والبحري والجوي؛ فإن لها أيضا سيادة شخصية تحدد بموجبها الأشخاص الذي يقعون تحت رعايتها، ويأتي ذلك على قدم المساواة مع السيادة الإقليمية. ومن المعلوم أن الجنسية إما أن تكون معاصرة للميلاد، وهي الجنسية الأصلية، وإما أن تكون لاحقة على الميلاد وهي الجنسية الطارئة، وفي الحالة الأخيرة تحرم بعض الدول المواطن الطارئ من بعض الحقوق، وأهمها الحقوق السياسية، كالحق في الانتخاب أو الترشيح للمجالس النيابية، وهي حقوق لا يحرم منها المواطن الأصيل الذي تتوافر فيه الشروط التي تقتضيها قوانين مباشرة الحقوق السياسية.
واستكمالا لسلسة الحلقات التي بدأناها عبر “أثير” لتسليط الضوء على بعض نصوص قانون مجلس عمان وأحكامه؛ فإن هذا المقال يتعلق بشروط اختيار عضو مجلس الدولة وترشيح عضو مجلس الشورى الواردة في المادتين 15،7 وبالتحديد شرط الجنسية العمانية.
يتضح لنا من مطالعة نص المادة 7 أن من شروط اختيار عضو مجلس الدولة (أن يكون عماني الجنسية) بينما من شروط ترشيح عضو مجلس الشورى المادة 15 (أن يكون عمانيًا بصفة أصلية). وهو يؤكد ضرورة التعليق على نص المادتين لتوضيح المقصود بشرط الجنسية وأهميته.
تعد الجنسية شرطا مهما وضروريا لممارسة الحقوق وبخاصة الحقوق السياسية التي من أهمها حق الترشح لعضوية البرلمان، على أساس أن المواطن يملك الولاء والانتماء لدولته وأعلم بمصالح وطنه؛ ذلك أن التشريعات في أغلب دول العالم تميز بين المواطن الأصيل وصاحب الجنسية المكتسبة من حيث الحقوق والالتزامات، ومنها على سبيل المثال أن المواطن الأصيل له حق الترشح لعضوية البرلمان، بينما صاحب الجنسية المكتسبة تختلف الدول في معاملته؛ فبعض الدول تمنعه وأبناءه من بعده من ممارسة حقوقه السياسية بشكل دائم، وهناك دول أخرى تسمح للمواطن الطارئ بالترشح بعد فترة من الزمن ويتم فيها اختبار وطنيته ، و في المقابل بعض الدول تمنح المتجنس الحق في الترشح مباشرة فور حصوله على الجنسية، مع عدم التمييز بينه والمواطن الأصيل.
من خلال النظرة الفاحصة لقانون الجنسية العمانية، نجد أن المشرع العماني نص في المادة 9 على أنه (يجوز لمن منح الجنسية العمانية، أو ردت إليه طبقا لأحكام هذا القانون ممارسة الحقوق المدنية وفقا للقوانين واللوائح المعمول بها من تاريخ العمل بالمرسوم السلطاني بمنحه الجنسية العمانية أو ردها إليه) فهنا يتضح أن المشرع العماني عموما ساوى بين صاحب الجنسية الأصلية والمكتسبة ، فهنا النص عام ونجد التخصيص قد جاء في بعض النصوص القانونية التي تشترط أن يكون عمانيا بصفة أصلية مثل الشرط الوارد في ترشيح عضو مجلس الشورى.
وبالرجوع مرة أخرى لنصوص قانون مجلس عمان نجد أن المشرع قد ميز بين عضو مجلس الدولة وعضو مجلس الشورى، ففي الوقت الذي اشترط في عضو مجلس الشورى أن يكون عمانيا بصفة أصلية، فإنه لم يضع هذا الشرط لعضو مجلس الدولة، فمن الممكن أن يكون عمانيا بالتجنس. ونجد أن المشرع قد اشترط الجنسية العمانية الأصلية في تولي بعض المناصب ونذكر على سبيل المثال نص المادة 56 من النظام الأساسي التي تنص على الآتي (يشترط فيمن يعين رئيسا لمجلس الوزراء أو نائبا له أو وزيرا الآتي: أن يكون عماني الجنسية بصفة أصلية) ولعل القارئ الكريم قد يسأل لماذا هذا التمييز بين عضو مجلس الشورى وعضو مجلس الدولة؟ ولماذا لم يشترط في عضو مجلس الدولة المتجنس مرور فترة معينة للتأكد من ولائه؟ قد يكون هذا المبرر مقبولا في بعض الدول التي تمنع المتجنس من التمتع ببعض الحقوق السياسية، حيث إنها في الأساس تتخفف كثيرًا في شروط التجنس، لكن الوضع في النظام القانوني العماني هو التشدد كثيرا في منح الجنسية العمانية للأجنبي، فهل المبرر الموجود في الدول الأخرى يظل قائما بالنسبة لعمان؟ وهل يعني ذلك أن مجلس الدولة أقل أهمية من مجلس الشورى؟
عند استقراء المادتين نجد أن المشرع لم يتطرق إلى مسألة كون عضو مجلس الدولة أو الشورى مزدوج الجنسية، وإن كان قانون الجنسية العمانية من حيث الأصل منع التعدد؛ إلا أنه يجوز استثناء بمرسوم سلطاني أن يصبح الشخص مزدوج الجنسية وهنا قد يثور التساؤل عن السماح لعضو البرلمان بالمشاركة في القرارات المتعلقة بالمصالح العليا للدولة وهو منشطر الولاء بين دولتين.
وعليه نوصي بتعديل النص التشريعي واشتراط تمتع عضو مجلس الدولة بالجنسية العمانية الأصلية؛ خصوصًا وأنه يمارس عملا يرتبط بسياسة الدولة التشريعية، ونوصي كذلك بأن يشترط في عضو مجلس الدولة والشورى أن يكون متفردًا بالجنسية العمانية؛ ليكون ولاؤه لسلطنة عمان دون غيرها.
د.بدر المسكري يكتب: إضاءات على قانون مجلس عمان رقم 7/2021 المادة (24)
د.بدر المسكري يكتب: إضاءات على قانون مجلس عمان رقم 7/2021 المادة (24)