د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
يطرح فصل الصيف وتمتع الطلبة في مؤسسات التعليم المدرسي والعالي بإجازة نهاية العام الدراسي، على التعليم مسؤولية التفكير في تنفيذ برنامج صيف الطلبة واستغلال أوقات فراغ الطلبة وحسن توجيههم لإدارة واقعهم ، والذي يهدف إلى تقديم محتوى تعليمي وترفيهي عالي الجودة في فضاء تعليمي واسع ومنصات تدريبية وترويحية متنوعة تتفاعل خلالها مؤسسات التعليم جميعها، ويتناسب مع مختلف الأعمار الطلابية، لضمان تعزيز منظومة البناء الفكري الرصين للطلبة، ويؤسس للتكامل بين كل المحطات التعليمية والتدريبية والترويحية والمهنية في حياة الأبناء، بحيث تسلط فيه الضوء على جملة من البرامج والأنشطة التعليمية والتدريبية والتثقيفية والترويحية، وتمارس فيه مؤسسات التعليم دورا تكامليا يراعي اختلاف السنوات العمرية، وطبيعة الاحتياج التدريبية والمهارية لكل الفئات، ويعمل على خلق روح المنافسة بين الطلبة، عبر تعريضهم لمواقف محاكاة للواقع، وجاهزيتهم في التعاطي مع معطيات جائحة كورونا ( كوفيد19)، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في خدمة وطنهم وتعزيز فرص تعلمهم.

والحديث عن مفاجآت الصيف ودور التعليم في تقديم محتوى يفوق التوقعات ويرتبط بالواقع ويحمل روح التغيير والابتكارية في مواجهة حالة التكرارية والهدر والفاقد التعليمي، بحاجة إلى مراجعة مقننة لمحتوى البرنامج الصيفي ووقفة متأنية تراعي قدرته على صناعة الإلهام وتغيير عادات العمل الروتيني، وفهم عميق لما يدور في فقه الطالب وقناعاته وأفكاره، وما يحتاجه من أرصدة لتقوية نجاحه في حياته المستقبلية والاستفادة من الواقع في رسم صورة مصغرة للمستقبل يبدأ يوجه خيوط اهتمامه به،، ومعنى ذلك أن طبيعة المحتوى المقدم والجودة فيه وكفاءته وحيويته وارتباطه باهتمامات الطلبة وأولوياتهم، وقدرته على إعدادهم للحياة أو تعريفهم باستراتيجيات التعامل مع بعض الأنماط الحياتية اليومية التي يواجهها الطلبة، بما يضمن قدرته على إنتاج التحول فيهم، وصناعة الفارق في ممارساتهم، في ظل ما ارتبط بهذه الجائحة من أحداث وتعقيدات، وما فرضته على حياة الطلبة من واقع غير مسبوق، غيرت مسار التفكير لديهم، وأفصحت عن نوعية التعليم الذي يحتاجه الطلبة للعيش في الظروف الصعبة والتعامل مع القضايا النفسية والفكرية والمعرفية والاجتماعية والاستهلاكية اليومية، بما ينقل مسؤولية التعليم من التلقين والاجترار إلى تعليم الحياة والغوص في أعماق الواقع.

وبالتالي أن يقرأ الطلبة في مفاجآت تعليم الصيف مرحلة جديدة في تقوية ارتباطهم بالعمل والإنتاج وبناء المشروع، وصناعة الأفكار والمواهب، والابتكار والاختراع ، وتوظيف الفرص، وتعلم مهارات الحياة، وانتاج ثقافة العمل والوظيفة والمهنة وتقريب صورة الواقع لهم، لذلك فهو برنامج يجب أن يبتعد عن التنظير والشكليات وقياس حجم المعلومات التي يتلقاها الطلبة، ويتجه إلى المهنية والواقعية والانجاز والعمل الجاد والمبادرة الأصيلة ، وإدارة المشاريع الاحترافية، وتعليم اسرار النجاح، والانطلاقة الواعدة نحو المستقبل، والتعلم من الأزمات وإدارتها ، وكيفية الخروج من هذه الجائحة بفرص أوسع، وانجازات أكبر، ونجاحات متعددة، حتى يصبح البرنامج الصيفي المتكامل للطلبة محطة لالتقاط الأنفاس وتغيير المزاج العام المتكدر لدى الطلبة، لتحقيق عمل نوعي مبهر، وإنجاز مهني ملموس، وعطاء متجدد يصنع فيهم القوة، ويعيد فيهم انتاج مهارات الحياة التي أسهمت ممارسات التعليم عن بعد في دفنها، لذلك كانت صناعة مفاجآت الصيف بحاجة إلى جهد مبتكر، وعمل منظم، وتخطيط أمين، وإدارة ناجحة، وشراكة فاعلة، وخطاب تربوي تعليمي واضح المعالم، في تجاوز لثقل الأنا والأنانية، وفوقيه السلطات ونزغة الذاتية ، بحيث تعمل مؤسسات التعليم مجتمعة على صناعة صيف طلبة عمان، الذي يوجههم إلى مراكز البحث والاختراع والاكتشاف، وإلى الشركات والمؤسسات، كما يوجههم إلى التثمير في المواهب الشخصية : الرياضية والفنية والإنسانية والاجتماعية وغيرها، ويؤسس فيهم قيم العمل الاجتماعي والتطوع وتنشيط دور المؤسسات الهاملة كالفرق والأندية وجمعيات المرأة وغيرها.
وقد يتساءل البعض أنى يمكن إدماج الطلبة في المؤسسات والمراكز والمصانع والشركات في ظل هذه الأوضاع الصعبة؟، والإجابة عن ذلك تؤسس اليوم لبرنامج صيفي مبتكر يقوم على إيجاد بيئة افتراضية تضم جملة من المكونات التي يسعى البرنامج لتحقيقها سواء ما يتعلق منها بالتعليم أو التدريب أو الترفيه والترويح أو غيرها، كما تضم جملة واسعة من الخيارات التي يتاح للطلبة الدخول إليها والاستماع بمحتوياتها وممارسة الأنشطة والألعاب التي تتناسب مع عمره، وابتكار المواقف وفق موجهات واضحة ومسارات دقيقة واستراتيجيات مبتكرة، تبني في الطلبة مسارات اكبر للتجديد الذهني والترويح النفسي، والتنقل بين أروقة هذه البيئة ومكوناتها، وحس الانتقاء للمحتوى الذي يتناسب مع احتياج الطالب، وبالتالي أهمية إيجاد شبكة افتراضية متكاملة تصنعها مؤسسات التعليم لمختلف اعمال الطلبة من الجنسين بحيث يستطيع الطالب وعبر رمز دخول الممنوح له الوصول إليها ، واختيار البرنامج الذي يتناسب مع اهتماماته، ويبدع فيه، ويمارس خلاله هواياته، ويصنع له القوة في إدارة واقعه.
أخيرا، نطمح من التعليم أن يقدم صيفا استثنائيا، يتجاوز التكرار والتقليدية والسطحية، ويطرح أفكارا متجددة تفوق ما اختزله التعليم عن بعد، وحالة العجز التعليمي عن تحقيق فرص تحول تنعكس على سلوك الطلبة المهاري والحياتي في استيعاب أحداث الجائحة والتعاطي مع متطلبات تحقيق امن الطلبة وسلامتهم وصحتهم الجسدية والنفسية والفكرية، وبالتالي أن يستفيد التعليم من الكوادر التعليمية المتخصصة لديه، ويستثمرها في إنجاز برنامج الصيف الافتراضي، وتقديم محتوى ترفيهي وتعليمي وتدريبي بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، قادر على أن يعيد موقع التعليم كمنصة لبناء الأمل وتجديد أطر الواقع، وتصحيح مسارات العمل، وخلق روح التغيير ، وتنشيط حركة الأداء الواعي الذي يرسم للأجيال خريطة المستقبل القادم، وعبر برنامج صيفي متكامل يقوم على الابتكارية والتجديد في الفكر الترويحي والتعليمي والتدريبي المقدم لمجتمع الطلبة، فإن التعليم بموارده البشرية وكفاءاته المهنية والمخلصين فيه – قادر إن أحسنت الثقة فيه وأحسن اختيار القائمين عليه- إعادة تغيير المسار، وإحداث ثورة الواقع، وتقديم المحتوى الصيفي الرصين الذي يلبي طموحات الطلبة ويتفاعل مع اولوياتهم، فهل سننتظر مفاجأة التعليم في صيف الطلبة القادم، أم سيظل البرنامج الصيفي يكرر نفسه ويعيد محتواه في ظل تشتت الجود وازدواجية العمل وعدم وضوح المسار وملازمة عقدة التبريرات للقائمين عليه بوجود كورونا ومنع التجمع وضعف المخصصات المالية الممنوحة للبرنامج ؟