د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
ينطلق طرحنا للموضوع من فرضية الأثر الإيجابي الذي تحققه مبادرات القطاع الخاص الموجهة نحو الشباب عامة وطلبة المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم العالي خاصة، من فرص إيجابية في تشكيل صورة المستقبل لديهم، في ظل تنوع مبادرات الشركات والمؤسسات المعنية بتدريب الشباب العماني وتطويره وتعزيز مهارات المستقبل لديه، عبر ما تطرحه في مبادراتها من النهوض بثقافة الشباب بغية احتوائه وتعزيز حضوره في المجتمع وامتلاكه مهارات الثورة الصناعية الرابعة بما فيها من تحولات قادمة في استخدام التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي ، وتوفير أفضل الممارسات العالمية خاصة في مجالات ريادة الأعمال ودعم مشاريع الشباب وتعزيز مفهوم إدارة المشاريع الاحترافية لديهم، في ظل ميزة الشغف والرغبة والاطلاع والبحث التي يتميز بها الشباب والتي تمنحه فرص أكبر في تحقيق هذه المهارات والاستفادة من هذه المسارات في بناء شخصيته، وتقوية مهاراته، وترقية أحلامه، والمحافظة على مواهبه واستعداداته ، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على دور القطاع الخاص في تعزيز ثقة الشباب فيه واستشعار المسؤولية الجمعية نحو تحقيق روح التغيير الذاتي والممارسة الشبابية المجتمعية من أجل عمان المستقبل.
على أن ما تقدمه هذه المؤسسات مثل، تحدي عمان وسالكون ومبادرات شركة تنمية نمط عمان وغيرها من المؤسسات التعليمية والتدريبية بالسلطنة بما تستهدفه من فئات مختلفة من الشباب من طلبة المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم العالي والباحثين عن عمل، لإعدادهم لمهارات العصر ومساعدتهم على أن يصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم وفاعلين في واقعهم، وتعويدهم على بيئات أخرى تحمل الكثير من الخصائص والمغامرات والتحدي وبناء الذات وقيم الحياة وتعريضهم لمواقف مجتمعية وحياتية مختلفة من أجل إعدادهم مواطنين مسلحين بالقيم العالمية والمهارات الحياتية والموجهات الذاتية التي تصنع فيهم روح التغيير من خلال دورات تعليمية وتدريبية مبتكرة ، وبرامج تخصصية في المجال المعرفي والمهني والمهاري ذات صلة بمتطلبات الفرد واحتياجات المجتمع، يتخللها برامج ومواقف وإستراتيجيات وآليات تضع المشاركين أمام مواقف محاكاة عملية للواقع، لبناء الثقة، وصناعة القدوات، وإنتاج القدرات، وتوجيه المشاركين نحو التعاطي مع مهارات المستقبل
وبالتالي يترجم هذا التوجه رؤية جلالة السلطان المعظم في الاهتمام بالشباب كونهم ثروة الوطن التي يجب الاستثمار فيها، والعمل على استيعابها والاستماع لها والإنصات إليها وتوظيف مهاراتها وتجديد العزيمة والإرادة والتغيير فيها بما يدفعها نحو استدام العطاء، وكذلك مرتكزات رؤية عمان 2040 “مجتمع إنسانه مبدع معتز بهويته، مبتكر ومنافس عالميا، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام”، وهو أمر معقودة نواصية بما يمكن أن تقدمه المؤسسات في القطاع الحكومي والخاص من فرص للشباب ، فإن ما يمكن أن يسهم به القطاع الخاص من مبادرات وينتجه من فرص، ويصنعه من بدائل سوف يكون لها أثرها النوعي في ظل الميزات التنافسية المتوفرة لهذا القطاع، والناتجة عن تنوع الخبرات فيه، وتعاطيه المباشر مع عمليات الإنتاج، وتركيزه على قطاع ريادة الاعمال والابتكار من خلال تجسيد قطاعات المستقبل الواعدة في انشطته، في قطاعات اللوجستيات والطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي والسياحة وقطاعات الاقتصاد المعرفي، فإن تعريض الشباب لبرامج تعليم وتدريب متخصصة تتيح له فرص الاطلاع على أفضل الممارسات والتجارب والخبرات والبرامج ذات الصبغة التخصصية، من شأنه أن يرسم علامه فارقة في تعاطي القطاع الخاص وجاهزيته واستعداده للعمل بجدية في تحقيق أولويات رؤية عمان 2040.
على أن جملة المبادرات المستديمة التي التزمتها العديد من مؤسسات القطاع الخاص في سنوات متعاقبة، وأصبحت استحقاقا تنافسيا تقدمه هذه الشركات والمؤسسات، أو كذلك المبادرات الجديدة للشركات والمؤسسات الناشئة أو الاستثمارية القادمة للسلطنة حديثا ، يستدعي اليوم إيجاد مسار وطني واضح يجمع هذه المبادرات الموجهة للشباب، ويعمل على تصنيفها، وتوسيع فرص شمولية برامجها لفئات أكبر من الشباب، وإتاحة فرص الانخراط فيها من قبل الشباب الذي يحققون الشروط والمواصفات والمعايير، فإن وجود منصة وطنية متكاملة ذات هوية ورؤية ورسالة واضحة ، تضم كل مبادرات القطاع الخاص ذات الطابع المستديم والمستمر سوف يسهم في زيادة مستوى الاستفادة منها، وتعظيم القيمة التنافسية فيها، لكون هذه المنصة موجهة للشباب، ويصبح الشباب على اتصال مستمر بها، ومعرفة مستمرة بمستجداتها، والفرص التي تطرحها الشركات وفق نماذج محددة واليات دقيقة واستمارات معدة لهذا الغرض، كما يضمن المزيد من التفاعل مع ما تطرحه الشركات ومؤسسات القطاع الخاص من فرص ، ناهيك عن محطات اللقاء الأخرى المرتبطة بحضور هذه البرامج التعليمية والتدريبية، والبرامج الحوارية والنقاشية المتزامنة التي تطرحها مع الشباب بما يضمن تبادل المعلومات معهم وتوظيف أفكارهم، والاستفادة من وجهات نظرهم وأطروحاتهم ومبادراتهم بالشكل الذي يتيح لهذه الشركات دراستها وفحصها وتبني اليات عمل عبر عمليات التنسيق مع الجهات الحكومية والمنصة التفاعلية المشار إليها لاحتواء الشباب في برامج أخرى أو تحسين برامجها وخدماتها القدمة لهم.
أخيرا، يبقى البحث اليوم عن موجهات أكثر ابتكارية تعزز فرص الشراكة الفاعلة مع الشباب وإيجاد نجاحات قادمة في عمله، مرهون بما يحمله الشباب ذاته من فرص التعلم والتدريب وصناعة الفرص وإنتاج ثوة التجديد لديه بما يمنحه مزيد من المهنية والاحترافية وصولا إلى التنافسية العالمية ، فإن تعظيم فرص الاستفادة من هذه المبادرات سوف يسهم في تزايد اهتمام الشباب بما يطرحه القطاع الخاص من برامج وخطط وموجهات ومسارات للعمل ، والتي قد لا يعلم عنها الكثير من الشاب المستهدف، بالإضافة إلى أن وجود قواعد بيانات وطنية بأعداد الشباب ومهاراتهم الحالية وفرص المستقبل لديهم ممن هم في مقاعد الدراسة أو من مخرجات التعليم العام والعالي والباحثين عن عمل، فإن وجود هذه المنصة الوطنية التي تجمع كل مبادرات القطاع الخاص الموجهة للشباب في تقديرنا الشخصي فرصة متجددة للتركيز على هذا المسار والتعريف به والترويج له، وتوسيع فرص البحث عن مصادر تمويلية له ، سوف يضمن استيعاب أعداد كبيرة منهم في هه البرامج، ويوجد روح وطنية عالية في توجيه الاهتمام المجتمعي لتمويل هذه المبادرات وتوسيع نطاق الاستفادة من هذه البرامج والمبادرات وتوسيع قاعدة الشباب المستفيدين منها.