أثير- يحيى الراشدي، موفد أثير للملتقى
لم تكد تمضي أسابيع قليلة على الزيارة التاريخية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- إلى جمهورية مصر العربية، حتى شهدت القاهرة، اليوم الاثنين، افتتاح الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة المصري الدكتور هشام عزمي، نيابة عن وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين يوسف الكيلاني، أعمال الملتقى الصحفي – العُماني المصري، تحت عنوان: “العلاقات العُمانية- المصرية.. تاريخ راسخ وعلاقات واعدة”، ليعكس حجم التأثير الذي أفرزته زيارة جلالته على حاضر ومستقبل علاقات البلدين.
وأكد حجم الحضور البارز للملتقى الذي تستمر فعالياته لمدة ثلاثة أيام، بالمتحف القومي للحضارة المصرية، من جانب العديد من القيادات السياسية والإعلامية المصرية، ما ينتظر هذه العلاقات من تطور يخدم ليس فقط مصالح الشعبين الشقيقين في سلطنة عمان ومصر، وإنما المنطقة العربية والإقليم بأكمله.
وقدم الملتقى الذي تنظمه جمعية الصحفيين العمانية، وسفارة سلطنة عُمان بجمهورية مصر العربية، بالتعاون مع نقابة الصحفيين المصريين، وبمشاركة من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، والجمعية العمانية للسينما، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية؛ قدم صورة مشرقة عن سلطنة عمان في يومه الأول، من خلال معرض للصور، تناول مختلف مظاهر النهضة التي تشهدها السلطنة في مختلف المجالات، في ظل عهد جلالة السلطان المعظم. بالإضافة إلى بعض المخطوطات التي تشير إلى عمق العلاقات التاريخية بين سلطنة عُمان ومصر. كما قدمت الجمعية العمانية للسينما مجموعة من الأفلام السينمائية عن سلطنة عمان، فيما قدمت جمعية الكتاب والأدباء العمانية مجموعة واسعة من إصداراتها المختلفة.
كما شهد المؤتمر، عرض مخطوطات تحكي مسيرة الإعلام العماني ودوره في دعم النهضة العمانية.
وجاءت كلمات المشاركين لتعبر عن مستقبل مشرق لمنحنى علاقات البلدين في المرحلة المقبلة، بمعانٍ ترجمها الجانب المصري في كلمة عمرو موسى وزير خارجية مصر الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الأسبق.
وأعرب عمرو موسى، في مستهل كلمته، عن سعادته لمشاركته في هذا اليوم الذي يجمع عُمان ومصر، ويجمع الصحفيين من البلدين الشقيقين، قائلا: سعدت بأن استمعت لكلمات بليغة في معناها ومبناها المهتم بالعلاقة الثنائية المصرية – العمانية.
وأضاف “موسى”: الحقيقة أن مقدمة هذا الحفل كان لها كلمة بليغة حين قالت: من منكم لم يقرأ لطه حسين أو يسمع لأم كلثوم أو يستمتع بكتابات ووايات نجيب محفوظ أو يستمتع بشعر أحمد شوقي؟
وتابع: منذ أيام قلائل شرفنا في مصر بزيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق، فنزل أهلا وحل سهلا ورحبت به مصر دولة وشعبا صديقة وأخا كريما، واليوم نحتفل بهذا الملتقى العماني المصري الذي يعقد بين صحفيي البلدين الشقيقين، وهي خطوة أخرى نحو صياغة المسيرة المشتركة لهذه الفترة الدقيقة الحرجة عربيا وإقليميا.
وقال عمرو موسى: هناك آفاق واسعة تفتح الآن هادفة إلى تطور العلاقات الثنائية بين عمان ومصر في مختلف مجالاتها، منطلقة من خصوصية إيجابية لهذه العلاقات، في الوقت نفسه تبني شراكة إستراتيجية على المستويين الرسمي والشعبي معا.
ونبه الأمين العام الأسبق للجامعة العربية إلى التقدم الملحوظ في التبادل التجاري قائلا: تقول التقارير إن العلاقات الاقتصادية شهدت طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بين السلطنة ومصر، وتزايد حجم التبادل التجاري إلى أرقام واعدة طرحت فرصا جديدة ونشطة لاستثمارات مشتركة، تدعمها رؤيتان متكاملتان عمان 2040 ومصر 2030. وعلى المستوى الثقافي كان النشاط واضحا وبصفة خاصة النشاط الذي تقوده السفارة العمانية في مصر، خصوصا في مجالات الحفاظ على اللغة العربية والفخر بها وبتعبيراتها الشعرية والنثرية والأدبية عموما والتي تهتم بالتراث العربي القديم.
أما المجال السياسي فقال عمرو موسى: إن تاريخ التآخي بين عمان ومصر تاريخ لامع مضيء، ولا ننسى رفض عمان قطع علاقاتها مع مصر عندما كانت تمر خلافات قد دبت في أوقات عصيبة مضت، لافتا إلى أن عمان كانت استثناء يأبه أن يبعد مصر عن عالمها العربي والعكس أيضا.
كما تحدث عمرو موسى عن السياسة الخارجية العمانية، قائلا: إنها عمدت على أن تكون إيجابية تجتهد لتخلق الجو الملائم للحركة نحو السلام.
وأضاف أن دور عمان في تهدئة الخلافات العربية والعمل على تسويتها أمر شهدته وما زلت أشهده وأشهد له وقد عايشته خلال العشرين عاما التي اشتغلت فيها بالدبلوماسية المصرية والعربية على أعلى مستوياتها.
كما قال عمرو موسى: إن جهد عمان ومحاولاتها تضييق الفجوات بين العرب وجيرانهم التاريخيين، مثلما هو حاصل حاليا بشأن العلاقة بين مصر وإيران، ومن قبل ذلك بين الخليج وإيران، مؤكدا أنه جهد كبير بمحاولات رصينة توحي بفتح صفحات إيجابية في ملف العلاقات الإقليمية.
من جانبه قال نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي، في كلمته إن الملتقى هو لقاء بين أشقاء وبين حضارتين، فمثلما تضرب الحضارة المصرية بأسسها في عمق التاريخ الإنساني بكل تنوع تاريخها المجيد منذ العصر الفرعوني، فإن سلطنة عمان كانت عبر التاريخ محطة مهمة تتقاطع فيها القوافل التجارية القادمة من بلاد آسيا والشرق الأقصى إلى الوطن العربي وأوروبا، مما جعلها جسرًا مهمًا بين حضارات متعددة، كما كانت عمان موطنًا لحضارات تركت آثارًا وإرثًا إنسانيًا تم وضعه على لائحة التراث العالمي.
وأضاف “البلشي” قد كان لسلطنة عمان دور مهم في التواصل العربي الأفريقي، عندما امتد حكم سلطنة عمان إلى زنجبار بالشرق الأفريقي سنة 1832 م، وقد كان هذا ربما الامتداد العربي الأهم للأرض العربية خارج الجزيرة وديار العرب التقليدية.
وواصل نقيب الصحفيين المصريين قائلاً: إن الصحافة المصرية والعمانية من بين الأقدم في العالم العربي، فبينما بدأت الصحافة المصرية منذ نهاية القرن الثامن عشر قبل قرنين وربع من الزمان، فإن النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهد ميلاد الصحافة العمانية، والتي بدأت مع جلب مطبعة سلطانية إلى زنجبار سنة 1872.
وأعرب “البلشي”، عن تقديره لجمعية الصحفيين العمانية بأن تكون القاهرة ونقابة الصحفيين المصريين أول ما تبدأ به نشاطها الخارجي في الدول العربية، بما يشير إلى وضع خاص للعلاقات بين الصحافة في البلدين الشقيقين. كما أعرب عن سعادته أن يكون توقيع بروتوكول التعاون مع جمعية الصحفيين العمانية بداية تدشين لأنشطة مشتركة تخدم شعبينا الشقيقين وأبناء المهنة الواحدة بكل ما فيها من مشاق وتحديات.
كما نوه “البلشي” إلى زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق إلى مصر، قائلاً: شرف القاهرة قبل أيام فخامة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد في زيارة رسمية هي الأولى خارج السلطنة منذ توليه الحكم خلفا للمغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله.
ومن الجانب العماني قال سعادة السفير عبدالله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عمان المعتمد لدى جمهورية مصر العربية مندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية: إن إقامة الملتقى الصحفي العماني المصري في مصر بمكانتها الثقافية الكبيرة في العالم، بتنظيم من جمعية الصحفيين العمانية، وفي متحف الحضارة المصري، بالتعاون مع سفارة سلطنة عمان في جمهورية مصر العربية، إنما هو خير دليل على التواصل الثقافي والصحفي والمجتمعي بين الشعبين الشقيقين، ويؤكد على عمق ومتانة العلاقات العمانية المصرية في المجالات كافة.
وأضاف السفير “الرحبي”: تأتي هذه الفعالية كذلك بعد الزيارة التاريخية لمصر، والتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، وما نتج عنها من مباحثات ناحجة على كل المستويات السياسية والاقتصادية، وما شهدناه من حفاوة وترحاب مصري كبير بزيارة جلالته.
وقال الدكتور محمد بن مبارك العريمي، رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين: إن هذا التجمّعِ الصّحفيِّ والإعلاميِّ يأتي في ضوء ما تشهدُه العلاقاتُ بين البلديْنِ الشقيقيْنِ من تطوّرٍ ونموٍّ على جميع الأصعدةِ والمستوياتِ، وفي مقدّمتِها التّعاونُ الإعلاميُّ الذي يعد أحد الركائزِ المهمّةِ في تطوّرِ هذه العلاقاتِ على مدى السنواتِ الماضيةِ.
وأضاف “العريمي”: قبل أيامٍ عُقدت على أرض مصرَ قمّةٌ عُمانيةٌ – مصريةٌ، بحضورِ قائديْ البلديْن، تعزيزًا وتوثيقًا للعلاقاتِ التاريخيّةِ التي تربطُ سلطنةَ عُمانَ بجمهوريّة مصرَ العربيّةِ، وما شهدتْهُ تلك العلاقاتُ من تميّزٍ على كافة المستويات الاقتصاديّةِ، والثقافيّةِ، والسياسيّةِ، والتاريخيّةِ.
وأكد أن هذا المُلتقى الذي تُنظّمه جمعيةُ الصحفيين العُمانية، ما هو إلا تكملةٌ لتلك الجهودِ المتواصلةِ من أجل تعزيزِ وتوثيقِ العلاقاتِ العُمانيّةِ المصريّةِ التي تمثّل أنموذجًا رائدًا ومتميزًا لما وَجدتْ من رعايةٍ واهتمامٍ من قيادتيْ وشعبيْ البلديْنِ والعلاقاتِ المتأصّلةِ والمتجذّرةِ من عمق التاريخ.
بالإضافة إلى الدّورِ الذي يضطلع به البَلَدَانِ الشقيقَان في حلّ الكثيرِ من القضايَا الإقليميّةِ والدوليّةِ والمساعي الدبلوماسيّةِ لإيجادِ التفاهماتِ والحلولِ المناسبةِ لإعادةِ العلاقاتِ الأخويّةِ بين الدّولِ الشقيقةِ والصديقةِ إلى طبيعتِها، والعملِ على مواجهةِ التّحدياتِ والصّعوباتِ التي تعترضُ مسيرةَ البناءِ والتنميةِ في البُلدانِ العربيةِ.
كما أكد “العريمي” رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين، أن الإعلامُ العُمانيُّ شهدَ على مدى السنواتِ الماضية مراحلَ نهضةٍ متطوّرةٍ على كلِّ المستوياتِ، وحرص القائمونَ على الإعلامِ العُمانيِّ على الاستفادةِ من كل التجاربِ الإعلاميّةِ، وكانت مصرُ واحدةً من تلك المدارسِ الإعلاميةِ المهمّةِ التي كانت حاضرةً بقوّةٍ قبل سبعينات القرنِ الماضي وما بعدَها، وتتلمذ الكثيرُ من الإعلاميين والصحفيين في بلادِنا على يدِ قاماتٍ صحفيّةٍ وإعلاميّةٍ معروفَةٍ، هي اليوم تقوُدُ دفّةَ الكثير من المؤسساتِ الإعلاميةِ في مصرَ.
كما أنها كانت شريكةً في صناعة المشهدِ التنمويِّ في سلطنة عُمانَ منذ بداية السبعينات تقريبًا، لذلك فإنّنا ومن خلال هذا الملتقى نجدها فرصةً لتكريمِ تلك القاماتِ الصحفيّةِ والإعلاميّةِ الكبيرةِ التي شاركتنَا الكثيرَ من المساراتِ والمُنجزاتِ التنمويّةِ في الفترة من عام 1970 وحتى بداية الألفية، فلها منّا كلُّ المحبّةِ والتقديرِ والامتنانِ.
وقد بدأت فعاليات ملتقى “العلاقات العُمانية المصرية.. تاريخ راسخ وعلاقات واعدة”، بافتتاح معرض للصور، قبل أن تستهل الجلسات بكلمة سعادة عبد الله بن ناصر الرحبي سفير السلطنة المعتمد لدى مصر، وكلمة د. محمد بن مبارك العريمي رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية، وكلمة رئيس نقابة الصحفيين المصريين خالد البلشي.
كما ألقى ضيف الشرف عمرو موسى وزير خارجية جمهورية مصر العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، كلمة، قبل عرض فيلم عن جمعية الصحفيين العمانية، وفيلم “عمان في السماء” للجمعية العمانية للسينما، ثم توقيع مذكرة التعاون بين جمعية الصحفيين العمانية ونقابة الصحفيين المصريين.
ويشهد الملتقى عقد ثلاث جلسات حوارية، الجلسة الأولى “العلاقات العُمانية المصرية.. عُمان في الأدبيات المصرية القديمة نشأتها وتطورها”، أما الجلسة الثانية فهي بعنوان “مستقبل العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر.. آفاق التطور وفرص الاستثمار بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية”.
والجلسة الثالثة ستكون بعنوان “التأثير الإعلامي والثقافي على تعزيز العلاقات العمانية المصرية.. البعد الثقافي وتأثير الصحافة العمانية والمصرية في تاريخ العلاقات العمانية المصرية قديمًا وحديثًا”.