تاريخ عمان

مِن أوائل مَن أدخل السيارات إلى مسقط: معلومات عن تاجر عُماني كان السلطان يخصص يومًا لمقابلته شهريًا

الحاج باقر بن عبد اللطيف

أثير- د. محمد بن حمد العريمي

في السابع والعشرين من نوفمبر عام 1953م أي قبل نحو اثنين وسبعين عامًا، فقدت مطرح — بل فقدت عُمان كلها — رجلًا استثنائيًا خلّد اسمه بما قدمه من عطاءات وجهود في ميادين متعددة، وترك بصمة راسخة في تاريخ الاقتصاد والمجتمع في البلاد. إنه الحاج فاضل بن عبد اللطيف فاضل.

صورة أرشيفية للحاج باقر بن عبد اللطيف. كتاب رحلة عبر الزمن

تقترب “أثير” في هذا التقرير من بعض الجوانب العامة في سيرة هذا العَلَم البارز، مستعرضةً محطات أساسية في مسيرته ودوره المؤثر في تاريخ عُمان.

نسبه ونشأته

هو الحاج باقر بن عبد اللطيف بن فاضل آل عبد اللطيف، وتختلف المصادر في تحديد سنة ميلاده بين عام 1872 وعام 1878، غير أنّ الثابت أنه كان واحدًا من أبرز وجهاء مطرح وعُمان في زمانه، وشخصية محورية تركت أثرًا واضحًا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

وتروي الروايات أن والدَه عبد اللطيف بن فاضل انتقل من رأس الخيمة إلى مطرح في سنٍ صغيرة بعد مقتل والده فاضل محمد هناك نتيجة خلاف نشب في المنطقة، وكانت العائلة تمتلك تجارة واسعة في رأس الخيمة، قامت خالته باصطحابه، وكان الانتقال أولًا إلى ولاية شناص، ثم إلى مطرح. وهناك نشأ عبد اللطيف في سور اللواتيا في كنف التاجر سليمان بن خلفان (الكاكلاني).

ومع مرور الوقت، لاحظ سليمان ذكاء عبد اللطيف وفطنته، فكان يصحبه إلى السوق ليعلّمه أسس التجارة، ثم زوّجه ابنته رقية، وقد أنجب منها عددًا من الأبناء، كان من بينهم باقر الذي تولّى إدارة تجارة والده عندما شبّ وأصبح قادرًا على قيادة الأعمال التجارية.

النشاط الاقتصادي:

يُعد الحاج باقر بن عبد اللطيف فاضل واحدًا من أبرز الأسماء التجارية في عُمان ومنطقة الخليج العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وقد أسّس مجموعة تجارية واسعة ما يزال نشاطها مستمرًا حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن الحديث عن النشاط التجاري لأسرة الحاج باقر بن عبد اللطيف بحاجة إلى ملفات عديدة نظرًا لتوسع أعمالها وتشعّبها، إلا أننا سنشير بشكلٍ عام إلى أبرز تلك الأنشطة.

وقد بدأت جذور هذا النشاط حين أسّس والده عبد اللطيف بن فاضل – المتوفى عام 1931 – شركة ملاحية تجارية في مسقط في عام 1895م، وقد حصلت الشركة على عدة وكالات ملاحية بارزة، من بينها بريتيش لينس وجيرمان هانسا لينس، وعملت في تجارة استيراد وتصدير الأسلحة والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، وبمرور الوقت توسعت نشاطاتها خصوصًا خلال فترة الحاج باقر بن عبد اللطيف وإخوته لتدخل في أنشطة عديدة خاصةً في مجالات مناقصات الرسو، والسلع الأساسية، وخدمات الدعم اللوجستي، وغيرها.

وثيقة تعود إلى مايو 1937م مرسلة من قبل شركة جري ماكنزي إلى القنصلية البريطانية تتعلق بتولّي الحاج باقر عبد اللطيف فاضل عقدَ إنزال البضائع.
وثيقة تعود إلى يونيو 1938م فيها إشارة إلى اسم شركة باقر عبد اللطيف كإحدى الجهات التي يمكن أن تقدم دعمًا لوجستيًا فيما يتعلق بأعمال التنقيب عن النفط
وثيقة تشير إلى قبول الحاج باقر عبد اللطيف الوكالة الخاصة بشركة الملاحة الهولندية Holland–Britsch Indië Line
وثيقة خاصة بخدمات النقل الجوي خلال عام 1945م

ومع تطور نشاطها، توسعت الشركة في تصدير التمور إلى الولايات المتحدة، والسمك المجفف إلى الدول الأوروبية، خصوصًا ألمانيا وهولندا وبلجيكا. كما دخلت في مجال استيراد وتصدير الفواكه والخضروات، وهو ما أسهم في تنويع محفظتها التجارية.

وفي نحو عام 1933م بادر الحاج باقر بن عبد اللطيف إلى تعزيز الحضور التجاري للعائلة خارج عُمان، فأرسل شقيقه الحاج علي إلى مدينة البصرة في محاولة جريئة لكسر احتكار الوكالات الأوروبية للسفن، وكانت مكاتب شركة هانزا الألمانية تقع هناك، وتمكّن الحاج علي – بعد مفاوضات طويلة وشاقة – من إقناع وكيل الشركة بمنحهم أول وكالة للسفن الأوروبية، لتتوالى بعدها الوكالات من شركات عالمية أخرى.

كما أرسل الحاج باقر شقيقه موسى إلى تشيكوسلوفاكيا، حيث جلب من هناك أول مصنع متخصص في طحن سمك القاشع، ليقام لاحقًا في وادي خلفان بمطرح، وكان يتم تصدير السمك المطحون إلى أوروبا ومناطق مختلفة حول العالم؛ ما مثّل نقلة نوعية في النشاط الصناعي للشركة.

وثيقة تعود إلى 26 يوليو 1947م مرسلة من القنصلية البريطانية بمسقط بها إشارة إلى أن شركة باقر عبد اللطيف فاضل تعدّ من المصدّرين البارزين للأسماك ومنتجات الأسماك.

وفي حوالي عام 1938م أو عام 1939م في بعض الروايات، دشّنت الشركة أول مصنع متكامل لها لمعالجة وتصنيع المنتجات السمكية في مطرح، وقد افتُتح المشروع تحت رعاية السلطان سعيد بن تيمور، ليكون محطة بارزة في مسار التوسع الصناعي والتجاري للعائلة.

مصنع تصنيع الأسماك الذي دشّن في مارس 1938م. كتاب رحلة عبر الزمن
وثيقة تعود إلى عام 1949م فيها إشارة إلى حمولة 1500 كيس من السمك المجفف الخاص بشركة باقر عبد اللطيف كانت في طريقها إلى ميناء جنوى الإيطالي

وأثناء زيارته إلى عمان في مايو عام 1937م وصف الوجيه والتاجر الشامي محمد أحمد الأسد زيارته إلى مطرح، حيث ذكر أنه " يوم الأحد 23 أيار، كان الحرّ شديدًا جدًا، ركبنا السيارة مع السيّد حسين الزواوي ومحمد سعيد الشامي وتوجهنا إلى مطرح، وبعد خمس دقائق وصلناها، فهي مركز البيع والشراء للأسماك والبضائع، وبها ترسو السفن الشراعية، وحركة التجارة أحسن من الحركة بمسقط، وسوقها أوسع وبه بعض الترتيب، فشاهدنا الأسماك التي تصدّر إلى كلمبو وإلى ألمانيا، إذ يأتي في كل شهر مركب ويحمل السمك"، ولعله يشير إلى نشاط الحاج باقر بن عبد اللطيف في مجال تصدير الأسماك إلى أوروبا.

امتدت مكاتب شركة الحاج باقر بن عبد اللطيف إلى عدد من الموانئ والمدن المهمة في المنطقة، مثل كراتشي وبيشاور وكويتا وكاليكوت وجوادر وبندر عباس وغيرها، وقد شكّلت هذه المكاتب محطات محورية لاستقبال البضائع والمنتجات العُمانية الواردة إلى تلك البلدان. كما كانت تقوم بدور مراكز ترانزيت يتم عبرها تصدير البضائع من تلك المدن إلى عُمان، على أن يوجَّه جزء منها لاحقًا إلى الأسواق الإفريقية.

وقد تمتّع الحاج باقر بن عبد اللطيف بشبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية مع عدد كبير من التجار المحليين والإقليميين في مناطق الخليج، وبومباي، وكراتشي، وزنجبار، وتشهد العديد من المراسلات التجارية المتبادلة على عمق هذه العلاقات وما رافقها من تنوّع في الأنشطة والسلع المصدّرة والمستوردة؛ ما يعكس حجم النشاط التجاري الواسع الذي اشتهر به.

رسالة من الحاج باقر بن عبد اللطيف إلى الشيخ ناصر بن علي الحشار في 13 مايو 1946م يعرّفه فيها قيامه بتحميل عشرة قناطر أقمشة في السفينة (عطيّة الرحمن)
رسالة من ناظر الشؤون الداخلية إلى الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي بخصوص إحدى الموضوعات التجارية المتعلقة بتجارة الحاج باقر بن عبد اللطيف
رسالة متبادلة بين الحاج باقر وأحد وكلائه في الكويت التاجر عبد الرحمن البحر بخصوص بعض التعاملات التجارية عام 1943

وقدّم الحاج باقر بن عبد اللطيف إسهامات بارزة في دعم الاقتصاد العُماني والحفاظ على توازنه، ولا سيما في الفترات التي شهدت اضطرابات مالية بعد الحرب العالمية الثانية، وتذكر المصادر أنه عندما أوشك الريال النمساوي — العملة المتداولة في الأسواق العُمانية آنذاك — على الاختفاء أو الشحّ، بادر الحاج باقر بضخ مبالغ مالية كبيرة، واشترى كميات من الريال النمساوي من الخارج، بهدف ضمان استمرار حركة الاستيراد والتصدير وعدم توقف النشاط التجاري في البلاد، وقد شكّل هذا التدخل خطوة مهمة أسهمت في حماية السوق المحلي من أزمة نقدية حادة.

وثيقة صادرة عن الوكيل السياسي البريطاني في مسقط في 15 نوفمبر 1947م تشير إلى رغبة الحاج باقر في استيراد 25 ألف ريال نمساوي

ويعكس نشاط الحاج باقر بن عبد اللطيف وعائلته بروز قطاع تجاري خاص في عُمان والخليج قبل تشكّل الهياكل الاقتصادية الحديثة. كما أن تأسيس شركات، وفتح مكاتب خارجية، وإدارة وكالات ملاحية عالمية كلها مؤشرات على وجود إدارة مؤسسية سبقت عصرها.

كما تُظهر أعماله—من البصرة إلى كاليكوت وبندر عباس وغيرها—قدرة استثنائية على اختراق أسواق عالمية في وقت كانت فيه وسائل الاتصال والنقل محدودة، وهذا يشير إلى: مهارات متقدمة في التفاوض التجاري، وفهم عميق لحركة التجارة البحرية، وشبكة علاقات قوية مكّنته من الحصول على وكالات أوروبية احتكارية

كما أن التفكير في إنشاء مصنع طحن القاشع ثم مصنع المنتجات السمكية عام 1939 يدل على نقلة مهمة من مجرد تجارة إلى تصنيع غذائي، وهو قطاع نادر آنذاك في عُمان والخليج.

ويمكن القول إن النشاط الاقتصادي للحاج باقر بن عبد اللطيف لم يكن مجرد عمليات تجارية، بل كان مشروعًا رائدًا وشبه صناعي أسّس لبنية تجارية عابرة للحدود، وأسهم في دمج الاقتصاد العُماني في المنظومة التجارية للمحيط الهندي والخليج، وهي تعكس عقلية مؤسسية مبكرة، وروح ريادة وتوسّع، وفهمًا عميقًا للفرص الإقليمية والدولية، وقيادة تجارية شكلت أثرًا واضحًا في تاريخ التجارة العُمانية.

مغلف بريدي على رسالة من مسقط إلى البصرة يحمل اسم شركة باقر عبد اللطيف
مغلّف بريد يحمل اسم شركة باقر عبد اللطيف فاضل
مغلّف بريد يحمل اسم شركة باقر عبد اللطيف فاضل

اهتمامه بالعلم والتعليم

عُرِف عن الحاج باقر عبد اللطيف اهتمامه بالعلم والمتعلمين، ودعم الأعمال والأنشطة المتعلقة بها، وقد أسّس مدرسة أهلية في مطرح جنوب سور اللواتية، يعدّها البعض ثاني مدرسة أهلية بعد مدرسة سلمان حسن عيسى، واستقدم لها مدرّسين عمانيين وغير عمانيين منهم مستر بُنجي الذي استقدم من الهند لتدريس اللغة الإنجليزية، وبقى لفترة في مطرح، وتخرج على يديه جيل من المتعلمين اعتمد عليهم الحاج باقر في أعماله فيما بعد، فيذكر الباحث علي بن محمد بن سلطان: " لقد أسس ثاني مدرسة أهلية بعد مدرسة سلمان حسن عيسى، فقد أوعز لابنه جعفر أن يطلب من أحد وكلائه في الهند أن يبعث لهم بمعلّم يدرّس أبناء مطرح، فكانت مدرسة ماستر بنجي هي المدرسة الأولى ضمن المدارس الأهلية التي درّست اللغة الإنجليزية بالأسلوب المتقدم“.

كما أشار الباحث ناصر بن عبدالله الصقري إلى جهود الحاج باقر في معرض حديثه عن الأدوار التي قام بها تجّار مطرح لدعم التعليم هناك: " وكذلك برز دورهم في تكفل الحاج باقر عبد اللطيف اللواتي بتوفير مقر لمدرسة الأستاذ قاسم بن عبدالله اللواتي، بل إنه استمر في دعمها طوال عهدها، كما كان بعض أصحاب المدارس الأهلية يرجعون إليه إذا ما ألمّت بهم ضائقة مالية. وعُرف عن ابنه الحاج جعفر باقر عبد اللطيف دعمه الكبير للمدارس، والمساجد، وإقامة حلقات العلم وخاصةً في شهر رمضان المبارك“.

كما كان الحاج باقر يحرص على استقدام عدد من العلماء من النجف، والإحساء، والبصرة، والهند في رمضان لإحياء ليالي الشهر الكريم، وكان يطلب منهم فتح مجالسهم لتعليم النشء، واستمر على هذه العادة حتى وفاته.

علاقته بالسلطان

ارتبط الحاج باقر بن عبد اللطيف بعلاقة مميّزة مع السلطان سعيد بن تيمور، ومن قبله والده السلطان تيمور بن فيصل، وذلك لما كان للحاج باقر من مكانة راسخة وثقل اقتصادي واجتماعي، إلى جانب إسهاماته المستمرة في الشؤون الحكومية والمجتمعية.

وقد خصّص السلطان سعيد يومًا في كل شهر للقاء الحاج باقر في بيت العلم للاستماع إلى آرائه ومشورته. كما كان يستدعيه في بعض المناسبات الرسمية، لاسيما أثناء استقبال الشخصيات الأجنبية، تقديرًا لرأيه ومكانته ودوره المؤثر في المجتمع.

خطاب من السلطان سعيد إلى الحاج باقر عبد اللطيف في 27 شوال 1371هـ. كتاب "اللواتية في التاريخ"
صورة التقطت في مطرح عام 1954 تجمع كلٌ من: السلطان سعيد بن تيمور، والحاج باقر عبد اللطيف يتوسطهما القنصل البريطاني

ومن الشواهد البارزة على عمق العلاقة التي جمعت الحاج باقر بن عبد اللطيف بالسلطان سعيد بن تيمور، الكلمة التي وجّهها السلطان وأُلقيت نيابة عنه من قِبل المرحوم علي بن محمد الجمالي—وكان حينها سكرتير السلطان—خلال الحفل الذي أقيم في نادي الإصلاح بمطرح بتاريخ 22 جمادى الآخرة 1357هـ الموافق 19 أغسطس 1938م.

وقد أشاد السلطان في تلك الكلمة بالجهود الكبيرة التي بذلها الحاج باقر في خدمة الدولة والمجتمع، مؤكّدًا مكانته ودوره المؤثر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تلك المرحلة.

كلمة

وكان السلطان سعيد في بعض الأحيان يوجّه بإعفاء بضائع الحاج باقر بن عبد اللطيف من الرسوم الجمركية، وهو تقليد كان السلاطين يمنحونه لعدد محدود من الشخصيات المقرّبة أو لأولئك الذين أسدوا للدولة خدمات جليلة، ويعكس هذا الإعفاء مكانة الحاج باقر لدى السلطان، وتقدير الدولة لدوره الاقتصادي والاجتماعي، واعترافًا بإسهاماته في دعم الاستقرار والتجارة في البلاد.

دعوة
دعوة

وقد حرص السلطان سعيد على تلبية دعوات الحاج باقر كلما سنحت الفرصة، فكان يشرفه بالحضور إلى مجلسه ومنزله بحضور مجموعة من كبار الشخصيات السياسية والاجتماعية، في لقاءات كانت تُعدّ في ذلك الوقت من دلائل المكانة الرفيعة، ومن أبرز هذه اللقاءات زيارة قام بها السلطان إلى منزل الحاج باقر، حضرها عدد من أعيان المجتمع وكبار التجّار في عام 1937م، وهو ما يؤكد الدور المحوري الذي كان يؤديه الحاج باقر كجسر بين الدولة وطبقة التجار، وكأحد أهم الوجوه الاجتماعية في مدينة مطرح.

كما أنّ ضيافة السلطان في بيت الحاج باقر تعكس علاقة تقوم على الثقة والاحترام، وتبرز حجم تأثيره الاجتماعي وعمق دوره في دعم الدولة ومساندة اقتصادها، وهو ما يظهر جليًا من خلال وثائق عديدة تذكر تواصله المستمر مع السلاطين وقيامه بأدوار اقتصادية مهمة لصالح البلاد.

بالانستجرامCoins_and_Antiques جانب من زيارة السلطان سعيد إلى منزل الحاج باقر. الصور الثلاث نقلًا عن حساب
بالانستجرامCoins_and_Antiques جانب من زيارة السلطان سعيد إلى منزل الحاج باقر. الصور الثلاث نقلًا عن حساب
بالانستجرامCoins_and_Antiques جانب من زيارة السلطان سعيد إلى منزل الحاج باقر. الصور الثلاث نقلًا عن حساب

نشاطاته الاجتماعية:

كان الحاج باقر بن عبد اللطيف من الشخصيات السياسية والاجتماعية ذات الثقل الكبير في مطرح، حيث تولى مشيخة قبيلة اللواتيا بعد وفاة الشيخ حبيب مراد. كما كان ممن سمح لهم السلطان سعيد بن تيمور بارتداء العمامة السعيدية من غير أفراد الأسرة المالكة، وقال عنه: " نقدّر فيهم المحبة والإخلاص والولاء، وبأنهم يؤدون للبلاد خدمة جليلة، في نشر وتوسيع نطاق تجارتها“.

وبحكم المكانة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمتع بها الحاج باقر بن عبد اللطيف، نسج شبكة واسعة من العلاقات مع العديد من الشخصيات البارزة داخل عُمان وخارجها، ومن بين الشخصيات التي ارتبط بها بعلاقات وثيقة الشيخ عبد الله السالم الصباح، أمير الكويت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.

وتعود علاقتهما إلى فترة مبكرة سبقت تولي الشيخ عبد الله مقاليد الحكم، وكان الحاج باقر يستقبله في البيت العود، خصوصًا عند عودته من الهند، وتشير الروايات — كما يذكر الباحث علي بن محمد بن سلطان — إلى أن الحاج باقر كان يقدم له مائتي صندوق من الحلوى العُمانية كهدية، في دلالة على قوة الروابط الاجتماعية التي جمعتهما وعمق مكانته في محيطه الإقليمي.

كما جمعت الحاج باقر بن عبد اللطيف علاقات وطيدة بالنخب السياسية والاجتماعية في عمان، وكان منزله شاهدًا على العديد من الحفلات والاستضافات التي كان يقيمها من فترةٍ لأخرى بحضور مجموعة من الشخصيات البارزة من مختلف الأطياف، على رأسهم السلطان سعيد بن تيمور، فيذكر تقرير مسقط الاستخباراتي للفترة تقرير الفترة من 16 إلى 31 ديسمبر 1943 أنه “أقام الحاج باكر بن عبد اللطيف، أبرز تجار مطرح، مأدبة غداء لسموّ السلطان وجميع مسؤوليه في اليوم الرابع والعشرين. كما دُعي بعض كبار التجار”،

تقرير

وفي التقرير الذي يتناول الفترة من 1-15 أغسطس 1945م هناك إشارة إلى أنه: “قدّم الحاج باكر بن عبد اللطيف، أغنى تجار مسقط، مأدبة تكريمًا للسلطان في اليوم السادس. وقد دُعي جميع الشخصيات البارزة في مسقط ومطرح”،

تقرير

وضمن تقرير فبراير لعام 1950 يشير دبليو. آر. هاي إلى أنه: “حضرنا حفل شاي ضخم قدّمه حاجي باقر، على شرف السلطان في نادي مقبول”.

كما تشير بعض الروايات والمصادر إلى أن الحاج باقر بن عبد اللطيف كان من أوائل من استقدم السيارات إلى عمان، ففي روايته لجريدة الوطن يشير الشيخ إبراهيم بن عبد الله الفارسي إلى أن أوائل السيارات التي دخلت مسقط في بدايات القرن الماضي كانت من نوع (صالون شيفر) وكانت موجودة لدى كبار تجار مسقط وهم أولاد علي بن موسى، ولدى كبار تجار مطرح من أولاد باقر عبد اللطيف.

وبحسب رواية الباحث في التاريخ العُماني بشكل عام وتاريخ مسقط ومطرح بشكل خاص الأستاذ علي بن محمد سلطان فإن باقر عبد اللطيف فاضل الذي كان من كبار تجار مطرح في النصف الأول من القرن العشرين وأخاه موسى عبد اللطيف فاضل يعدّان من أوائل من أدخل السيارات إلى عمان حيث استوردا ثلاث سيارات إحداهن من نوع بيوك، وتم إهداء واحدة منهن للحكومة وقتها، واحتفظا بالسيارتين الأخريين للاستخدام الشخصي والتجاري.

وتشير الروايات إلى أن الحاج باقر بن عبد اللطيف وعدد آخر من أفراد جماعته قدموا دعمًا لوجستيًا مهمًا للحكومة في أثناء الحملة على البريمي منتصف الخمسينيات الميلادية، وكانت مخازنهم مفتوحة عدا عن الإسهامات المالية التي تم تقديمها، وعندما عاد الجيش إلى مسقط قاموا بتزيين مداخل المدينة في احتفاءٍ واضح.

كما كانت للحاج باقر بن عبد اللطيف إساهمات اجتماعية واسعة امتدت إلى نطاق واسع لم يقتصر على عُمان وحدها، بل شمل العديد من البلدان والمناطق التي كان يزورها أو يتواجد فيها أفراد جماعته، وقد عُرف بكرمه ومساندته للمحتاجين، حيث كان يقدّم العون والدعم لمن يلجأ إليه. كما كان منزله مقصدًا للزوار المحليين والوافدين، إلى جانب ما امتلكه من بيوت ضيافة خصصها لاستقبال الضيوف وخدمة المارة، ما يعكس دوره الاجتماعي البارز وحرصه على تعزيز قيم التكافل والضيافة في محيطه.

وفاته

توفي الحاج باقر بن عبد اللطيف في مطرح مساء يوم الجمعة الموافق السابع والعشرين من نوفمبر عام 1953، وقد نعتْه الإذاعة البريطانية في ذلك الوقت تقديرًا لمكانته ودوره البارز.

وقد أشار تقرير مسقط الاستخباراتي الصادر عن القنصلية البريطانية في مسقط لشهر يناير 1954 أنه: " توفي الحاج عبد اللطيف فاضل المعروف محليًا باسم حاج باقر في منزله في مطرح عن عمرٍ يناهز 78 عامًا بتاريخ 27 نوفمبر، وكان أحد التجّار الرئيسيين وأكثر الشخصيات النابضة بالحيوية في مسقط، وحضر جنازته ممثل السلطان وأخو السلطان ووزير الداخلية وممثلو القنصلية ومجتمع مسقط“.

ويدل حضور الشخصيات البارزة لجنازة الحاج باقر بن عبد اللطيف على أنه لم يكن مجرد واجب اجتماعي، بل كان اعترافًا رسميًا وشعبيًا بمكانته كأحد أهم رجالات الاقتصاد العُماني في القرن العشرين، ودليلًا على تأثيره الواسع الذي جمع بين التجارة، العمل الاجتماعي، والدور الوطني.

وقد بعث السلطان سعيد بن تيمور ووالده السلطان تيمور بن فيصل عددًا من رسائل التعزية إلى أسرة الحاج باقر بن عبد اللطيف، تقديرًا لمكانته ودوره البارز، ولم تتوقف العلاقة بين العائلة والسلطة عند هذا الحد، بل استمرت لتشمل الأبناء في السنوات اللاحقة.

وفي هذا السياق، نعرض رسالة ودّية وجّهها السلطان تيمور بن فيصل من مقر إقامته في بومباي إلى الحاج جعفر بن باقر بتاريخ 18 أغسطس 1954م، تعبيرًا عن عمق الروابط المتبادلة بين الجانبين.

المراجع

  • الزبير، محمد. رحلة مع الزمن. بيت الزبير.
  • الزيدي، خلفان. قانون المرور العماني سبق الدولي بــ 14 عاما، حوار مع الشيخ إبراهيم الفارسي، جريدة الوطن http://www.alwatan.com/graphics/2006/03mar/21.3/dailyhtml/news1.html
  • سلطان، علي بن محمد. شذرات من تاريخ دخول السيارات إلى عمان، حوار هاتفي مساء الخميس 11 أبريل 2019.
  • سلطان، علي بن محمد. باقر عبد اللطيف فاضل.. الرجل الاستثناء في الظرف الصعب، مجلة شرق وغرب، 4 فبراير 2019
  • الصقري، ناصر بن عبدالله. التعليم في مدينتي مسقط ومطرح بين عامي 1888-1970، رسالة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2017.
  • العريمي، محمد بن حمد. بالصور: وصف لمسقط في ثلاثينيات القرن الماضي، تقرير منشور في منصة أثير ، 10 إبريل 2021.
  • الموسوعة العمانية. المجلد الثاني، حرف الباء، وزارة التراث والثقافة، 2013.
  • مكتبة قطر الرقمية. مجموعة من الملفات التي تتناول الشأن العماني خلال القرن العشرين.
  • ملامح من حياة الحاج باقر بن عبداللطيف، حلقة على اليوتيوب، قناة ألف باء، 20‏/11‏/2024
  • حساب Coins_and_Antiques على موقع الانستجرام
Your Page Title