أثير- محمد عبده الزغير
خبير يمني مقيم في سلطنة عمان
نزل الى الإسواق العدد (51) من مجلة التفاهم (شتاء 2016)، وهي مجلة فصلية، فكرية، إسلامية، تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان، والمجلة تسعى الى تكريس خطاب إسلامي متوازن.
جاء هذا العدد حاملاً في غلافه الانيق نص الآية الكريمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155]، وهو تقليد اتبعته هيئة التحرير في كل عدد، أي الإشارة الى نص آية كريمة يتبعه عنوان متخصص، تتجه محاور وموضوعات العدد الى بحثه ومناقشته من اتجاهات ورؤى مختلفة.
استعرض رئيس التحرير/ د. عبد الرحمن السالمي، في الافتتاحية ” الاضطراب العربي الإسلامي”، منذ ان بدأت المقاربات البحثية في تناوله في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، وحددته بنزعتين او تيارين مختلفين: التيار الاصولي او التأصيلي، والآخر الإصلاحي والتجديدي. التيار الأول رأى إن العنف جزء من طبيعة الإسلام، ولذلك لابد من مواجهته بالعنف أيضا. اما التيار الآخر فقد رأى أن الإسلام شرذمت مجتمعاته الحداثة والسياسات الدولية.
وأشار بان التيار الأول انتصر عندما هاجمت القاعدة الولايات المتحدة، وردت أمريكا بمهاجمة أفغانستان والعراق، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الانشقاقات داخل الإسلام، فقد تفجرت عدة مجتمعات ودول تحت وطأة المواجهة بين الانشقاقيين والسياسات الدولية والعسكرية والأمنية. وهكذا فان المجتمعات العربية والإسلامية وقعت بين استنزافين: الاضطراب الداخلي الناجم عن أسباب دينية واقتصادية وسياسية، والسياسات الإقليمية والدولية.
ولخص السالمي جوهر الاضطراب العربي الإسلامي بانه ثوران ديني في وجه الحداثة العالمية، وحداثات الدول الوطنية ذات الأنظمة العسكرية والأمنية. وقدم رؤية لشُعَب العلاج في اربعة نقاط:
– الإصلاح السياسي وتطوير الأنظمة السياسية، واجتذاب الشباب وحل مشكلاتهم.
– إعادة النظر في رؤية المؤسسات الدينية وطرائق عملها بحيث تعود جاذبيتها في عيون الشباب، ومنع تكون أجيال جديدة من المتشددين.
– احداث تغيير ونهوض ثقافي، وإيجاد تعاون وثيق بين المثقفين والمؤسسات الدينية وبقية الأطراف في عمليات الإصلاح والتجديد.
– التفكير المشترك بين المسلمين وغيرهم بهدف ترشيد السياسات الإقليمية والدولية في منطقتنا.
وتضمن العدد في محوره (الملف) بحث عدد من الموضوعات، وهي كالتالي:
– الصور الأربع لحياة المسلمين في العهد النبوي (مكة قبل الهجرة، الحبشة، المدينة، مكة بعد الفتح)، لمحمد الناصري، وهو باحث في الفكر الإسلامي وحوار الأديان والحضارات، من المغرب.
– الفتنة في التاريخ والكلام والفقه والاضطراب المعاصر، لرضوان السيد، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية، ومستشار تحرير مجلة التفاهم، من لبنان.
– تسييس الدين والثورات في الحاضر الإسلامي، للزواوي بغوره، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية، كلية الآداب، جامعة الكويت،
– الإنجيليات الجديدة بين الاضطراب وعودة الدين، لعز الدين عناية، وهو أستاذ تونسي بجامعة روما في إيطاليا.
– معاني ودلالات الثوران الديني في اليهودية المعاصرة، لفوزي البدوي، وهو أستاذ الدراسات اليهودية، من تونس.
– مظاهر التدين الجديد في الهند والرهانات السياسية، لكريستوف غافريلو، وهو مدير أبحاث في المركز القومي للأبحاث العلمية بفرنسا.
– المعاني المتضاربة لعودة الدين لدى الفلاسفة الغربيين المعاصرين، لفتحي المسكيني، وهو أستاذ الفلسفة في جامعة تونس.
– مشكلات الدولة الوطنية في العالم العربي وامكانيات التجديد، لمحمد الحداد، وهو كاتب واستاذ الدراسات الحضارية بجامعة قرطاج، من تونس.
واشتمل العدد على دراستين: الأولى حول “مفهوم العلاقات بين المسلمين والهندوس في ضوء الكتب الفقهية في عصر سلطنة دلهي، لصاحب عالم الاعظمي الندوي، وهو أستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، من مصر. والثانية بعنوان “آراء العلماء المسلمين القدماء في نظرية التربية” لسيبستيان غونتر، وهو أستاذ كرسي العربية والدراسات الإسلامية بجامعة غوتنغن بألمانيا.
كما تم عرض وجهات نظر بشأن قضيتين تتعلقان بالحوار بين الأديان، الأولى عرضت “الحوار الديني بين الكنائس والإسلام في أوروبا: التحديات والانخراطات، لأنجليكا زياكا، وهي أستاذة مشاركة في دراسة الدين مدرسة اللاهوت، كلية اللاهوت بجامعة ارسطو في تسالونيكي باليونان. والثانية استعرضت “الحوار بين المسلمين والقيادات الدينية في اليابان” لكازوكو شيوجيري، وهي مديرة معهد التبادل الدولي بجامعة طوكيو الدولية.
وفي الجانب المتعلق بآفاق، قدم علي أجقو، وهو أكاديمي في جامعة بسكرة بالجزائر، رؤية بشأن “دور الإسلام في ضمان وحماية حريات الانسان الأساسية”، واستعرض إبراهيم البيومي غانم ” إشكالية ((إدراك)) المصالح الكبرى للامة، وهو مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر.
وفي الجانب الخاص ب “مدن وثقافات”، قدم حسام الدين شاشية، وهو أكاديمي بجامعة منوبة من تونس، عرضاً حول “أوجه من الحضور الإسلامي في مدينة ميرتلة البرتغالية”
وتجدر الإشارة الى ان مجلة “التفاهم” هي امتداد لمجلة “التسامح” التي صدرت في سنة 2003، ومنذ العام 2011 تحول اسمها الى مجلة ” التفاهم ” دون المساس بأهدافها وتوجهاتها المعززة لتكريس خطاب إسلامي متوازن يستند على قيم السلام والتسامح واحترام الرأي الآخر.
وبالقراءة العامة لهذا العدد وغيره من الاعداد، يلاحظ تميز الفكر المستنير للافتتاحية العدد، ومحاور المجلة وموضوعاتها المتنوعة والجديدة مقارنة بالمجلات الفكرية والعلمية العربية والاسلامية. كما ان المجلة تتميز بالثراء في حجم وتعدد خلفيات ومراجع المشاركين في إعدادها، حيث تضم كوكبة من الكتاب العرب والمسلمين ومن دول العالم، وهم نخبة متنورة من الأكاديميين والمفكرين والباحثين يمثلون رؤى فكرية وثقافية متنوعة ومتعددة.