أثير- سيف المعولي
في إحدى المرات وتحديدًا قبل عشر سنوات وجدَت نفسها عاجزةً أمام طلابها في الصف الأول؛ غير قادرة على توصيل الحروف لهم بشكل سهل وميسر، لكنها لم تيأس، واتجهت إلى البحث، يحملها الإيمانُ الكامل بإمكانية إيجاد الحل، فبحثت في الكتب ومواقع الإنترنت عن طريقة تساعدها لاختراق عقل الطالب وإيصال الحرف له بأقل وقت وجهد.
بحثها بدأ في مجالات مختلفة لعلها تسعفها في إيجاد الحل المطلوب؛ فبحثت في علم الأصوات وعلم النفس التربوي وما به من نظريات تدرس هذا الطالب وعلم البرمجة اللغوية ودراسة مخ الإنسان والخلايا العصبية وكيفية استقبالها للمعلومات. كما بحثت في الخرائط الذهنية والسر الذي يجعلها تخترق عقل المتعلم وتوصل له المعلومة بشكل سريع. وبحثت أيضا عن آخر ما توصل له العلم في تدريس الحروف بغض النظر عن اللغة المدروسة.
كان هدفها هو الوقوف على آخر ما توصل له هذا العلم وإسقاطه على اللغة العربية مع إضافة التعديلات التي تناسب خصوصية لغتنا، فكان برنامج “الجوللي فونكس” هو الذي أدهشتها فكرته ولامست ما كانت تبحث عنه؛ فدرست البرنامج بكل تفاصيله وبحثت عن النظريات الداعمة له وبدأت أخذ بعض الأفكار منه لتطبيقها على اللغة العربية وحذف ما لا يناسب لغتنا، وإضافة طرق جديدة تساعد على حل جميع مشكلات الحروف في اللغة العربية من مشكلة الخلط بين الحروف المتشابهة في الشكل أو الخلط بين الحروف المتقاربة في النطق.
لم تكتفِ بذلك بل كانت لها إضافة بارزة عبر ابتكار خط جديد يُعدّ بصمة خاصة ببرنامجها الذي سمّته “القاعدة الذهنية”. والآن بعد عشر سنوات من البحث والتجريب والتعديل وصل البرنامج إلى شكله النهائي بكتب تبرمج أفكاره ووسائل تعليمية تساعد على التعلم الذاتي للطالب وتختصر الوقت والجهد أمام المعلم ونشيد للحروف بإيقاع حماسي ومثير للطالب تدفعه لحب الحروف العربية وحفظها بشكل سريع.
إنها الأستاذة بشرى بنت علي بن عبدالله الذهلية معلمة مجال أول، خريجة كلية التربية بالرستاق، وحاصلة على ماجستير إدارة تربوية من جامعة مؤتة، ومدربة من أكاديمية أكسفورد، التي التقتها “أثير” حول برنامجها المميز فكان هذا الحوار.
تقول الذهلية بأن برنامجها اسمه “القاعدة الذهنية لتعليم القراء والكتابة وتوحيد الخط” وهو حاصل على المركز الأول في شمال الباطنة في المبادرات التعليمية، والمركز الثالث على مستوى وزارة التربية والتعليم، بعد نشر فكرته في المجتمع المحلي وتدريب المعلمات والأمهات عليه، لتكون مهمة تدريس الحروف سهلة وميسرة بيد الجميع.
وتؤكد الأستاذة بشرى بأن البرنامج يُعدُّ مبتكرًا والأول من نوعه في تدريس حروف اللغة العربية يحاكي الجولي فونيكس في اللغة الإنجليزية، ويركز على أحدث نظريات التعلم كنظرية الذكاءات المتعددة والتعلم بالحواس، ويستند إلى الخيال وتنمية التفكير الإبداعي لدى الطالب من خلال استخدام أساليب تدريسية حديثة تناسب جيل هذا العصر كاستخدام لغة الإشارة، وتفعيل الذاكرة التصويرية، واستخدام الروابط الذهنية.
وتضيف: يستهدف البرنامج جميع الطلاب بمختلف مستوياتهم وأعمارهم، ويتميز بنتائجه السريعة في حفظ الحروف والقراءة، كما يتميز بابتكاره خطًا جميلًا وموحّدا بين الطالب والمعلم، ومن أهم أهدافه أنه يسعى إلى محو أمية الحرف، وتنمية التفكير الإبداعي، وبث روح الحياة في حروف اللغة العربية، وجعلها لغة محببة في قلوب الطلاب، وتدريب الطالب على التعلم الذاتي.
وتشير إلى أن البرنامج تم تجريبه على أكثر من 1500 طالب وطالبة، في المدارس الحكومية، ورياض الأطفال، ومراكز محو الأمية، وبرامج معالجة صعوبات التعلم والنطق وتم رصد النتائج ومتابعة التطبيق من خلالها كونها مؤسسة البرنامج وكذلك المشرفة جواهر الزعابية مشرفة رياض أطفال، والمشرفة شيخة السعدي مشرفة مجال أول. موضحة بأنه بعد النجاح الكبير الذي حقّقه البرنامج تم عمل فريق عمل مختص من مشرفين وتربويين في الحقل التربوي لمتابعة الوسائل التعليمية والكتب الخاصة بالبرنامج.
وحول تعاون الآخرين معها في البرنامج توضح الذهلية بأن التعاون كان كبيرًا مع إدارة مدرستها “طلائع الغد” حيث شجعت مديرة المدرسة الاستاذة آمنة حسين ومشرفة المجال الأول الأستاذة شيخة السعدية فكرة البرنامج وتم تطبيقه على صفوف تجريبية لدراسة الفرق بين العينات المطبقة للبرنامج والعينات غير المطبقة له فكان الفرق كبيرًا لصالح “القاعدة الذهنية”، وبعد نجاح التجربة على طلاب الصف الأول تم نقل التجربة إلى فئات جديدة فكان التعاون مع معلمة الصعوبات في المدرسة الأستاذة آمنة البلوشية، وتم عمل عينات تجريبية ومقارنة النتائج. وبعد أن واصلت “القاعدة الذهنية” نجاحها على طلاب صعوبات التعلم خرجت لتبحث عن فئات جديدة فكانت رياض الأطفال في ولاية شناص وصحار ولوى وتم اختيار عينات تجريبية وتدريب المعلمات وعمل مقارنات بين العينات فكانت القاعدة الذهنية تثبت تميزها وتواصل نجاحها. كما تم اختيار عينات على مراكز محو الأمية وتطبيقها على الدراسات في ولاية صحم لتبهر الجميع بأنها قادرة على الوصول لجميع الفئات من 3 سنوات إلى 70 سنة؛ فالعمر الزمني للمتعلم لم يكن حاجزا، كما أن العمر العقلي للمتعلم لم يكن عائقًا كذلك.
الأستاذة بشرى الذهلية بعد هذا الجهد الكبير في برنامجها تطمح إلى اعتماده في التعليم الحكومي والخاص، وإلى تطويره؛ ليشمل فئات أوسع وتحويله لتطبيق إلكتروني على الهاتف. موجهة في ختام حديثها لـ “أثير” عدة كلمات تقول فيهن: أقول لكل أم ومعلمة: جميع طلابنا أذكياء لكنهم بحاجة لفهم ذكائهم والتعامل معهم بطرق تناسب هذا الذكاء وهذه الشخصية، ونجاح القاعدة أمام أصعب الحالات هو دليل على أن الذكاءات متعددة لكننا نحتاج فقط لفهم هذا الذكاء واستثارته بما يتناسب مع الطالب. وأطلب من كل مديرة مدرسة ومشرفة بأن يقفوا مع الفكر الإبداعي للمعلم وعدم دفن إبداعه بحجة الروتين والرسميات. كما أقول لكل محب للغة العربية بأن هذه اللغة سهلة جدا وبإمكان الجميع أن يعلّمها لأبنائه وطلابه بغض النظر عن تخصصه. وللشباب أقول: كونوا على ثقة بقدراتكم وإبداعاتكم وامضوا لتحقيقها وتسلحوا بالعلم والمعرفة للدفاع عن إبداعكم وليكن توكلكم على الله وثقتكم به كبيرة”.