فضاءات

ياسر الكلباني يكتب عن النهضة العمانية الحديثة

ياسر الكلباني يكتب عن النهضة العمانية الحديثة
ياسر الكلباني يكتب عن النهضة العمانية الحديثة ياسر الكلباني يكتب عن النهضة العمانية الحديثة

ياسر بن راشد الكلباني- ماجستير في إدارة الأعمال

تطل علينا في هذه الأيام الذكرى الخمسون للنهضة العمانية المباركة التي قادها جلالة السلطان قابوس المعظم -رحمة الله عليه وطيب الله ثراه- وهي نهضة بحق ينطبق عليها مسمى ثورة، والثورة هي التطلع إلى تغيير الوضع القائم إلى وضع أفضل وأرحب، ويتضح هذا من كلمات جلالته الأولى لشعب عمان العظيم، حيث الإصرار والحماس ( سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل وعلى كل منكم المساعدة في هذا الواجب).

الإنسان هو محرك التنمية ومحورها، كان جلالته يعني ما يقول فكان الاهتمام الأول بالإنسان، لأن الإنسان هو الثروة الأولى في كل المجتمعات والأمم، فرقي المجتمعات منوط برقي الفرد الذي هو المكون للمجتمع والأمة، رقيًا فكريًا وحضاريًا وثقافيًا، وسنعرج على لمحات بسيطة من فكر جلالته النيّر في اهتمامه بالإنسان والمجتمع العماني ووحدة صفه:

(عفا الله عما سلف)، كان لهذه السياسة الأثر العظيم في مسيرة النهضة والتنمية في السلطنة، فانخرط الجميع في البناء وعاد المغتربون، ورجع المغرر بهم إلى رشدهم، فاحتوى الوطن الجميع، وهذا المبدأ تعاملَ به جلالته في بداية النهضة المباركة وأيضًا في فترات لاحقة في بعض المواقف التي مرت بها السلطنة واستطاع جلالته بحكمته وبصيرته أن يقود عمان إلى بر الأمان ولله الحمد والمنة.

اهتم السلطان قابوس وحكومته الرشيدة في بداية النهضة بالتعليم، وتبين ذلك من خلال خطاب جلالته في العيد الوطني الثاني عام 1972م ( وكان لنا في ميدان التعليم حملة بدأت للوهلة الأولى وكأنها تهافت الظمآن على الماء)، (فالمهم هو التعليم حتى تحت ظل الشجر)، ولم يكن مصدر التعليم فقط هو التعليم الرسمي، فقد أكد جلالته -رحمه الله- مرارًا الاستفادة من تراث عمان الديني والفكري والثقافي ، والتواصل بين الأجيال ونقل القيم الحميدة ينبغي أن يكون في المدرسة وخارج المدرسة، و جاء في خطاب جلالته في الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2011م (وأننا نؤكد على ضرورة أن تغرس هذه السجايا الحميدة والقيم الرفيعة في نفوس النشء منذ نعومة أظفارهم في البيت والمدرسة والمسجد والنادي وغيرها من محاضن التربية والتثقيف)، فعلى الرغم أن الأمور لم تكن مستقرة أمنيًا في كافة أرجاء السلطنة في السنوات الأولى من عهد النهضة المظفرة، لم يكن تركيز الحكومة منصبًا على الجانب الأمني والعسكري فقط، بل كانت التنمية تشمل كل المجالات التي تخدم المواطن وتؤمن له سبل العيش الكريم، وهذا يدل على حكمة جلالته وسعة أفقه، بل لم تكن التنمية مقتصرة على الداخل بل شمل أيضًا العلاقات الخارجية والتواصل مع الاشقاء والأصدقاء، وحلم جلالته كما قال في كثير من لقاءاته أنه لا يريد أن يرى في خريطة العالم دولة لا تربطها علاقات طيبة مع السلطنة، فأصبح علاقات السلطنة وسفاراتها ممتدة في جميع أنحاء المعمورة، وأصبح العماني يسافر ويتنقل و يزور معظم دول العالم بحرّية وله احترامه وتقديره.

أرسى جلالة السلطان المعظم أركان الدولة على العدل، و كما يقال العدل أساس الحكم فأنشئت المؤسسات القضائية والعدلية، التي تضمن صون حقوق الجميع، ولا نبالغ إذا قلنا أن السلطنة قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال وهي سابقة على كثير من الدول الخليجية والعربية، فأصبح الجميع يقف أمام القضاء سواسية والمحاكمات التي جرت لبعض كبار المسؤولين في الدولة في فترات ماضية أحد هذه الدلائل، فالأصل العدالة وغير ذلك إن حدث الاستثناء كما هي الطبيعة البشرية، وهنا نقتبس ما جاء في خطاب جلالته السامي في افتتاح مجلس عمان في نوفمبر 2011م (فدعمنا للقضاء واستقلاليته واجب التزمنا به واحترام قراراته بلا محاباة أمر مفروغ منه فالكل سواسية أمام القانون)، وكل هذا رسخ قيم الأخوة والمحبة في المجتمع العماني الذي هو بطعبه يتحلى بتلك القيم الحميدة.

قد لا يدرك البعض النقلة الكبيرة التي مرت بها السلطنة والشعب العماني منذ تولي جلالة السلطان قابوس-رحمه الله- مقاليد الحكم في البلاد، فعلى سبيل المثال كان العماني يتغرب عن بلاده بحثَا عن لقمة العيش في كثير من البلدان المجاورة والبعيدة أيضًا ويمتهن أي مهنة، وفي عصر النهضة الحديثة توفرت للعمانيين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة سبل العيش الكريم المختلفة ولله الحمد والمنة.

ومن أراد أن يعرف حجم التطور والتغيير الذي مرت به عمان فليجلس إلى كبار السن ويسمع منهم، وهنا ندعو إلى أهمية توثيق التاريخ العماني الحديث والقديم ، وتوثيق السير الذاتية والتجارب الإنسانية العمانية، مع كل الطموح والأهداف السامية والكبيرة التي رسمها جلالة السلطان المعظم للنهضة المباركة، إلا إنه كان يربطها بالواقع والإمكانات المتاحة، وكما يقال لكي تتقدم إلى الأمام عليك أن تعرف موقعك الحقيقي والإمكانيات المتوفرة، ومن هذا المنطلق فجلالته ربط مسيرته وخطط للنهضة بواقع عمان السياسي والجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والديني والجوانب الأخرى، ولهذا كان له الأثر الكبير في صمود السلطنة ومسيرة نهضتها في خطى ثابتة ومدروسة أمام الكثير من التحديات التي مرت بها السلطنة والمنطقة والعالم، ربما هنا يحتاج الكثير من الدراسة والبحث لإبراز فكر جلالته رحمه الله وحكمته في هذا الجانب.. عجلة التنمية مستمرة ، هذا ما كان يؤكد عليه جلالته رحمه الله في معظم خطاباته ولقاءاته فمع التطور الحاصل و المنجزات المتحققة،هناك دائمًا تطلع نحو مستقبل أكثر إشراقًا، كما جاء في خطاب جلالته في عام 2014 م من ألمانيا وهو الذي جاء في ذلك الوقت بردًا وسلامًا على عمان وأهلها ليطمئنوا على صحة جلالته (إنه لمن دواعي سرورنا أن نحييكم وبلدنا العزيز في هذه الأيام المباركة على مشارف الذكرى الرابعة والأربعين لمسيرة نهضته الظافرة التي تسير وفق الثوابت التي أرسينا دعائمها منذ اليوم الأول لها وإننا لنحمد الله عز وجل ونشكره ونثني عليه على ما يسر لنا من رشد وصلاح للأخذ بهذه المسيرة نحو دولة عصرية راسخة الأركان ماضية بكل عزيمة نحو مستقبل مشرق واعد من التطور والنماء). فجلالته هنا يؤكد على استمرار البناء والتطوير والتنمية في كل المجالات.

وهنا يجب على الجميع أن يعي ذلك كلٌ في مجاله من أجل بناء عمان ورفعتها. واستمرارًا لهذه النهضة والتنمية الشاملة التي استلم لواءها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، وهذا ما أكد عليه في خطابه السامي (إن العقود الخمسة الماضية شهدت تحولًا كبيرًا في بناء الدولة العصرية وتهيئة البنى الأساسية الحديثة والمتطورة في كافة ربوع الوطن بقيادة باني عمان الحديثة المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه، وبجهود المخلصين من أبناء عمان الذين نسجل لهم كل التقدير والإجلال على ما بذلوا من أجل رفعة عمان وإعلاء شأنها، وإننا ماضون بعون الله على طريق البناء والتنمية نواصل مسيرة النهضة المباركة كما أراد لها السلطان الراحل رحمه الله) حفظ الله جلالة السلطان المعظم وأسبغ عليه نعمة الصحة والعافية، وحفظ الله عمان وأهلها ونسأل الله تعالى يزيدهم من واسع فضله، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان. وأود هنا أن أشكر القائمين على موقع (عمان قابوس) الإلكتروني ، حيث إنه يعد مرجعا ممتازا لخطابات جلالة السلطان قابوس- رحمه الله -وسيرته الذاتية.

Your Page Title