أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
إن الترقي في سلم الوظائف هاجس يسعى له دائما كل من يشغل وظيفة، وحُقّ لهم ذلك؛ فمن منا لا يريد الرقي والصعود لمركز أعلى مما هو عليه، سواء ماليا أو وظيفيا.
والقانون المنظم للوظيفة العامة – قانون الخدمة المدنية أو ما يماثله من قوانين بشأن بعض الجهات والوظائف – نظّم مسائل الترقية في الوظائف ووضع لذلك شروطا ينبغي أن تتوفر بالموظف وقت الترقية كي تصح ترقيته. وفي هذا السياق يثور تساؤل لدى الكثير من الموظفين بشأن الترقية: لماذا لا تقوم الجهة الإدارية بترقيتهم على الرغم من توافر شروط الترقية لديهم، ويرون أنه لا يجوز لها أن تسلبهم هذا الحق،
وفي هذه الزاوية عبر “أثير” سنتطرق إلى شيء من البيان بشأن هذا التساؤل، ونعرج بعده إلى التطرق بقدر سعة هذه الزاوية للإجابة عن التساؤل في تطبيق الأوامر السامية المطاعة الصادرة من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم المعظم المتضمنة ترقية الموظفين المستحقين من دفعة عام 2011م لمن كان مستحقًا لهذه الترقية استقال أو أنهيت خدماته قبل صدور الأوامر السامية.
الترقية حق للموظف أم سلطة للجهة الإدارية؟
الجواب: هي سلطة تنقلب إلى حق، لكن ليس بصورة نمطية بأن تتوفر بالموظف شروط استحقاق الترقية المقررة قانونًا، فهذا القول غير سديد، إذ الحق في ذلك أن الترقية سلطة تقديرية للجهة الإدارية تنفرد بها وحدها في تقدير الحاجة إليها وتقدير وقت إجرائها، ولكن متى ما أجرتها وأصدرت قرارا بشأنها أصبحت حقًا مكتسبًا للموظف، ولا يجوز سحبها منه إلا وفق الشروط المحددة قضاءً لسحب القرارات الإدارية وهي إن كان معيبًا في ميعاد السحب، أو كان منعدمًا فلا يتقيد بميعاد، وكذلك هي حق للموظف متى ما توفرت بمجموعةٍ من الموظفين من أصحاب المراكز القانونية المتماثلة شروط استحقاق الترقية فعمدت الجهة الإدارية إلى ترقية البعض دون البعض الآخر، فهي تصبح حق للموظفين الذين لم تتم ترقيتهم.
وعلى ذلك قضت محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في الاستئناف رقم (197) لسنة (13) ق.س بجلسة 4/3/2013م: “الترقية إلى درجة ما في تاريخ معين ليست حقًا للموظف ما دام القانون لا يوجبها على سبيل الإلزام، فالإدارة تترخص في حدود سلطتها التقديرية بتعيين التاريخ الذي تجرى فيه الترقية بلا معقب عليها في ذلك ما دام قرارها في هذا الشأن يخلو من عيب إساءة استعمال السلطة – حق الموظف في الترقية لا يتولد إلا حينما تمارس جهة الإدارة سلطتها بإصدار قرار يغفل ترقيته ويشمل زملاء له ممن هم أحدث منه في الأقدمية وأقل كفاية منه؛ فحينئذ فقط يحق له مخاصمة هذا القرار والطعن عليه فيما تضمنه من تخطيه في هذه الترقية”.
وعلى هذا استقرت أحكام محكمة القضاء الإداري، وهي بذلك ترفع الغمة عن التساؤل حول استحقاق الترقية بموجب هذه الأحكام، ففضلًا عن الحالة السالفة البيان بشأن استحقاق الترقية فهي تخرج من كونها سلطة للجهة الإدارية تجريها وفق مقتضيات الصالح العام الذي يقوم عملها على أساسه، فمتى ما ألزم القانون جهة الإدارة بإجراء الترقية في وقت معيّن وبشروط معينة، أو أنها ألزمت نفسها بموجب قرار تنظيمي لترقية موظفيها فإنها تكون بذلك ملزمة بإجرائها متى ما تحققت شروطها بالموظف المستحق، ولا يكون لها أي سلطة تقدير في ذلك، وتكون الترقية في هذه الحالة حقا للموظف لا يجوز المساس به، وفي كل الحالات تخضع لرقابة القضاء الإداري، فليس معنى “بلا معقب عليها” أنها خالية من أي رقابة، فالمحكمة لها أن تراقب ممارسة الجهة الإدارية لاختصاصها وسلطتها إن كانت في إطار القانون أو انحرفت عنه أو أساءت استعمال سلطتها، فتلغي القرار الصادر سواء بإجراء الترقية أم الامتناع عنها متى تجلى لها وجه للإلغاء وفق ما هو معروض أمامها من ظروف تستقل كل دعوى عن الأخرى بها.
متى يستحقها الموظف؟
كما هو معلوم فالترقية تصدر بناء على قرار إداري ويكون حق الموظف في الترقية من تاريخ صدور هذا القرار طالما أن الترقية سلطة تقديرية للجهة الإدارية وهي الأصل العام بالنسبة للترقية، أمّا إذا كانت بموجب نص القانون فإنها تكون مستحقة من تاريخ توفر الشروط القانونية المحددة بالقانون، أو من تاريخ صدور قرار الترقية الذي تخطى الموظف في الترقية بأن قرر ترقية غيره من الموظفين ولم يشمل ترقيته على الرغم من استحقاقه، وامتناع جهة الإدارة عن ترقيته دون سبب قانوني لمن يستحقها قانونًا، يعد ذلك قرارا سلبيا يجوز رفع دعوى لامتناعها عن ترقية الموظف، ولكن في الجانب المقابل امتناعها عن الترقية دون أن يكون عليها أي إلزام قانوني لا يشكل قرارًا سلبيًا يجوز الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري، كأن يحتج الموظف بأحقيته للترقية قبل أن تتوفر به استحقاقها فلا يعد ذلك قرارًا سلبيا من جهتها ويصبح طلب الترقية في غير محله القانوني.
المستقيل أو المتقاعد هل يستحقها؟
من منطلق كون الترقية سلطة تقديرية لجهة الإدارة فهي بالتالي تستقل بسلطة إجرائها في الوقت الذي تختاره ومتى ما توفر الوعاء المالي لذلك، فلا يمكن الاحتجاج في مواجهتها باستحقاق الترقية، وهنا الإجابة عن التساؤل الذي تقدم بسطه بشأن الترقية إذا ما أرجئت لأي سبب كان، ثم قررت الإدارة الترقية لشريحة معينة من الموظفين هل يمكن أن تسري على من كان ضمن هذه الشريحة الوظيفية وانقطعت علاقته بالجهة الإدارية لأي سبب كالاستقالة أو الإحالة للتقاعد؟
وفقًا لأحكام محكمة القضاء الإداري – منها الحكم في الاستئناف رقم (س أ-1111) للسنة (19) ق.س – فيما يتعلق بالترقية، فهي تستحق لمن لا يزالون تحت الخدمة ولا تشمل من تم إنهاء خدماتهم سواء بالاستقالة أو بإحالتهم للتقاعد، فإذا تأخرت ترقية أحد موظفي الدولة لدرجة أعلى لوقفها بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد، ثم صدر قرار بترقية جميع منتسبي الجهاز الإداري الذين توقفت ترقيتهم وكان ذلك الموظف المستحق لتلك الترقية قد أنهيت خدماته بالتقاعد أو لأي سبب قانوني آخر قبل صدور قرار الترقية؛ لا يجوز لهذا الموظف أن يطلب ترقيته بأثر رجعي؛ ذلك أنه قد انتفت عنه صفة الموظف العام عند صدور قرار الترقية، وبالتالي أصبح فاقدًا للمركز القانوني الذي يمنحه الحق في الحصول على هذه الترقية، لكون الترقية وغيرها من مسائل الشؤون الوظيفية الخاصة بالموظفين الذين لا يزالون على رأس عملهم دون غيرهم، وبالتالي فإنه يتعذر إصدار قرار الترقية وترتيب آثارها المالية والوظيفية عليه بعد أن انتهت خدمته، وذلك لعدم وجود علاقة وظيفية تربطه بالجهة الإدارية.