‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟

‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟
‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟ ‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟

أثير- مكتب أثير في تونس
إعداد : محمد الهادي الجزيري


وقع الحافر على الحافر ..، وجدت موضوعا يهمّني أن أكتب عنه ، ألا وهو الاحتفاء بصوت نسائي ورمز للعطاء والبذل، ليس لقلّة حضور المرأة في الوطن العربي في مناصب مهمة ومسؤوليات كبيرة، بل لفرادة هذا الاسم وندرته وكفاحه القديم من أجل تحرير المرأة في كافة المجالات وخاصة المجال العلمي والمعرفي ، فقد كان وما يزال حكرا للرجل، ولمناصرتي للمرأة أمّا ورفيقة وأختا ..في دفاعها عن حقوقها الاجتماعية..، أنا معروف عنّي أني من أوّل المتحالفين مع كلّ صوت نسائي حرّ ..ولهذا عثرت في تاريخنا العربي على أيقونة الفكر والحرية فاطمة المعمرية …

‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟
‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟ ‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟

فتحتْ عينيها للحياة فاطمة بنت سالم بن سيف بن سعيد بن ماجد بن سعيد المعمري في مارس من عام 1911 بجزيرة زنجبار، زمن أن كانت تحت الحكم العربي العُماني..، والدها هو سالم بن سيف بن سعيد أحد أبناء قبيلة المعمري، وما كان يؤرق والدها سالم آنذاك أن ابنته فاقدة لثقافتها العربية ولا تتحدث سوى اللغة السواحلية كغيرها من النساء والفتيات العربيات في زنجبار، فقرّر هو وشقيقه سعيد، بعد أن توفي شقيقهما ماجد، أن يتركا زنجبار للإقامة في القاهرة إذ إنّ الأخيرة هي منبع العلم ومركز الثقافة ومصدر التنوير في منطقة الشرق الأوسط ، وهذا ما كان وبالتالي بدأت مرحلة القاهرة وهي أهمّ مرحلة في حياة فاطمة المعمرية ..إذ كوّنت نفسها وسنّت فكرها بكلّ جديد …

نشير قبل الخوض في تفاصيل حياتها ومسيرتها العلمية إلى أنّ حفيدة لها، ابنة عمومة أصدرت كتابا بعنوان ” الرائدة أ.د. فاطمة بنت سالم بن سيف المعمري: دراسة تاريخية وثائقية أكاديمية” باللغة العربية في عام 2008 عن وزارة التراث والثقافة العمانية، وتقول البوعلي إنها كتبت هذا الكتاب ( لتسلّط الضوء على دور امرأة عمانية تعتلي أعلى المراتب في المجتمع ) ، وسنقتطف من فقراته بعض ما ورد فيها من معلومات مهمة ..طوال خوضنا في مسيرتها المشرقة ….

‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟
‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟ ‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟


وممّا ورد في كتاب الدكتورة آسية البوعلي عن الراحلة شهادة قيمة لأحد الدكاترة المعاصرين ، يقول الدكتور ماهر عبد القادر :

” كنت واحداً من الفريق المكلّف بقراءة مجموعة من البحوث لعدد من الأساتذة بغية اختيار أفضلها لنشرها في كتاب تذكاري أعدته كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، بمناسبة افتتاح مكتبة الإسكندرية في السادس العشرين من أكتوبر عام 2002 ، وعليه وقع الاختيار على بحث للدكتورة فاطمة سالم، ليعاد نشره بهذا الكتاب، حتى يتسنّى للعلماء والمثقفين بمختلف مستوياتهم الاطلاع عليه ”
كان تخرج فاطمة في الجامعة مع بعض زميلاتها المصريات من خريجات مدرسة السنية الثانوية في تلك السنة حدثاً تاريخياً، ونقطة تحوّل في مسيرة تعليم البنات ، كما أن الحدث كان آية من آيات دخول مصر في حركة التنوير، التي كان أحد أهدافها هو النهوض بالمرأة اجتماعياً وفكرياً..، وهذا يعني أن فاطمة لم تكن فقط إحدى أوائل من حصلن على شهادتي الكفاءة والثانوية، بل وأيضاً ضمن أوائل الخريجات الجامعيات..، لم تكتف فاطمة بكل ما حققته من إنجازات دراسية، حيث كان طموحاتها أكبر بكثير، ففي عام 1936 التحقت بمعهد التربية للبنات بالقاهرة، لتتخرج بعد عام واحد وهي حاملة دبلوم التربية ، وفي 16 مايو سنة 1942م تم ّمنحها درجة الماجستير بمرتبة الشرف الثانية من قسم الدراسات القديمة بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول ، وذلك طبقاً لشهادة الماجستير الصادرة في شهر مارس سنة 1943م
.
تركت فاطمة المعمرية مصر عام 1974 لتعود إلى عُمان، فعملت في الأخيرة منذ مطلع الثمانينيات أستاذة للغة الإنجليزية في وزارة الدفاع والقوات المسلحة، وتمّ تكريمها في عام 1982 كونها أوّل امرأة عُمانية جامعية وحاصلة على الدكتوراه، لكنها قبل ذلك وتحديداً في عام 1974 عادت إلى مصر، حيث منحها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ميدالية ذهبية تذكارية، ضمن المكرمات من رواد ورائدات القرن العشرين..، وفي العام نفسه كرمتها جامعة الإسكندرية بمنحها شهادة تقدير لخدماتها طوال فترة عملها بالجامعة، ولأفضالها على طلبة قسم اللغة اللاتينية……..
وهناك شهادة قيّمة داخل كتاب ” الرائدة أ.د. فاطمة بنت سالم بن سيف المعمري: دراسة تاريخية وثائقية أكاديمية “..، الشهادة هي للدكتور سامي شنودة الأستاذ بقسم الآثار بجامعة الإسكندرية، والذي كان زميلا لها أثناء رئاستها لقسم الآثار اليونانية والرومانية في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والذي تحدّث عن الفرق بين جيل الرواد من الأساتذة والجيل الحالي قائلاً: «إن جيل فاطمة سالم كان شغله الشاغل هو العلم، ومن ثم لم يستهو أحدهم منصب أو كرسيّ، ولم يكن يوماً موضع اهتمامه، فقيمة شخصية كفاطمة تنبع من مكانتها العلمية والثقافية لا من رئاستها للقسم الذي رأسته في الجامعة…”
وتروي الكاتبة في هذا الكتاب القيّم ، قصة للسيدة فاطمة مع طه حسين وكيف أنّها بسببه حصلت على الجنسية المصرية، تقول: «منذ أن تخرجت فاطمة سالم في مدرسة السنية عام 1929م بالقاهرة, كانت طالبة مقربة لعميد الأدب العربي طه حسين الذي كان على صلة حميمة بأسرتها.. ومن ثم كان بالنسبة لفاطمة بمثابة أب روحي…، فهو الذي وجهها نحو التخصص في مجال الدراسات الأوروبية القديمة، في مرحلة الليسانس ومرحلة الماجستير وبمثالية مطلقة منحها حق البعثة الدراسية دون تفرقة بينها وبين الطلاب والطالبات المصريين..، ومن ثم فإن فاطمة سالم في سنة 1942م، حين منحت درجة الماجستير من كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول، تقدمت بطلب إلى إدارة الجامعة فحواه أن تثبت في وظيفة مدرّس بالكلية أسوة ببقية زميلاتها المصريات…، ولمّا كان قانون التوظيف بالنسبة للجاليات الأجنبية في مصر يقتضي العمل بعقود مؤقتة قابلة للتجديد، فإن إدارة الجامعة لم تعترض على توظيف فاطمة سالم، بيد أن اعتراضها انصبّ على شكل العقد وطبيعته، إذ إن العقد الثابت من حقّ المصريين، لما يترتب عليه من حقوق مستقبلية تتعلق بالمعاشات (مرحلة التقاعد)، فضلا عن حقوق أخرى متعلقة بالبعثات الدراسية…




ونتيجة لاستياء فاطمة سالم من هذه التفرقة..، تقدمت بطلب إلى أستاذها طه حسين – الذي كان رئيسا لجامعة الإسكندرية آنذاك – شارحة فيه موقف الجامعة في رفض التثبيت الوظيفي، فضلا عن البعثة الدراسية…
فما كان من طه حسين إلا الاعتراض الشديد على موقف الجامعة، ومن ثم تقدّم بطلب إلى مجلس الوزراء المصري يطلب فيه الجنسية المصرية لفاطمة سالم، مزكيا إياه بما يؤمن به من أن الكفاءات لا تجمح، وحق الإنسان في العلم والثقافة لا يكبح بناء على شكل ونوع الجنسية..، وبالفعل مُنحت فاطمة سالم الجنسية المصرية…


ما قالته الدكتورة راوية البوسعيدي في بعض ما روته في الكتاب عن خالتها يشير إلى صفحة دالة من صفحات هذا الكتاب المفقود: كانت خالتي تتسم بسمات عديدة يشوبها كثير من التناقض، بيد أن أكثر ما لفت انتباهي قدرتها على سبر أغوار نفوس البشر، وقراءة أفكارهم..، ويكفي أن أسوق موقفاً واحداً من بين مواقف كثيرة، فقد كنت في معرض تقييمي لشخص ما، وقلت على ما يبدو إنّه لديه الرغبة في فعل أشياء كثيرة، لكنّه يفتقر إلى القدرة، فعلّقت خالتي في حدّة قائلة: بل العكس هو الصحيح، فلديه القدرة، ولكنه يفتقر إلى النيّة أو الرغبة، وما القدرات إلا ترجمة صادقة للنوايا، وحينما قلت إن ذكائي ربما خانني في تقديري لهذا الموقف وقراءتي له، ردّت عليّ قائلة في ابتسامة: ليس الذكاء، وإنما الخبرة والمراس في معرفة البشر، ومع مرور الأيام تكشف لي أن ما قالته عن هذا الشخص كان صحيحاً….

يمكن اعتبار أن الفقيدة أوّل مَن حظي بالتعليم العالي، وحصلت على الدكتوراه، إذ لم يسبقها في ذلك رجل ولا امرأة في الخليج العربي كما تؤكد المؤلفة، حيث تضيف: ” لكون فاطمة سالم رائدة من رائدات القرن الماضي، كان من الطبيعي أن تستتبع هذه الريادة بالاعتراف والتعبير بما تستحقه الشخصية، لما لها من تميز وخصوصية..، ومن ثم تكريم فاطمة سالم أخذ أشكالا عدة ومستويات مختلفة..”

…على الرغم من أن المعمري لم تتزوج قط، فإنها لعبت دورا مؤثرا ومهما كأم لأولاد وبنات إخوتها، الذين سافر كثير منهم للإقامة والدراسة بمصر، وهي التي أصرت أن ينادوها بماما فاطمة..، وأخذت على عاتقها الإشراف على جوانب عدة من تعليمهم، فيتذكر ابن أختها الكبرى محمد علي بن محسن البرواني قائلا: ” لقد أجدت اللغة الإنجليزية دون أن أدرك كيف تعلمتها أو كيف تطورت ”

‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟
‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟ ‏سلسلة قامات مضيئة: ماذا تعرف عن أول امرأة عُمانية تحصل على الدكتوراه؟

في مستشفى الدفاع بالخوض في مسقط، وفي تمام الساعة السابعة من مساء الاثنين الموافق 8 يوليو 2002، أغمضت عينيها إلى الأبد، ورحلت إلى بارئها عن عمر ناهز 91 عاماً. تلك هي ابنة عُمان البارة فاطمة بنت سالم المعمري، التي دخلت تاريخ بلادها العبق وتاريخ الخليج العربي كلّه كونها أوّل فتاة تنال درجة الدكتوراه، بل الأولى التي تنالها في اللغات القديمة والآداب الرومانية واليونانية..، رحمها الله وأسغب عليها من نعمه ..

Your Page Title