تفاصيل الحياة اليومية في قصر السيد سعيد بن سلطان مثلما نقلتها ابنته

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

أثير- تاريخ عُمان

 

تعدّ السيدة سالمة ابنة  السيد سعيد بن سلطان مؤسس الإمبراطورية العمانية أكثر من أرّخ الحياة الخاصة  للسلطان وعائلته وحياة القصر بكل تفاصيلها الدقيقة التي تخفى على العامة، وهنا ننقل لكم بعض ما كتبته السيدة سالمة في مذكراتها المعروفة بإسم “مذكرات أميرة عربية”  حول  تفاصيل الحياة اليومية لعائلة السلطان بالقصر حيث تقول:

 

 ” إن الحياة اليومية تبدأ من الفجر إذ يستيقظ الناس جميعهم ما بين الساعة الرابعة والخامسة لأداء أولى فرائض الصلاة وهي صلاة الفجر ، وهذه الصلاة لا تستغرق وقتا طويلا ويذهب بعدها الناس مذاهب شتى، فذوو اليسار يعودون إلى فراشهم لاستئناف الرقاد ، أما المتدينون وأهل الورع والتقوى فيطيلون الصلاة ، ويظلون يتلون القرآن ، ولا يعودون إلى النوم إلا بعد بزوغ الشمس وانتشار الضياء، اما غير هؤلاء وأولئك من عامة الناس ، فيبدأون عملهم بعد الصلاة مباشرة .

 

وفي بيتنا الواسع الذي يضم المئات من الناس من مختلف المشارب والأذواق،  ومن مختلف الجنسيات والأصول، لم تكن هناك قواعد معينة،  أو ضوابط محددة تضبط منهاج حياتنا اليومية،  بل كان كل فرد من أفراد البيت يتبع ما يحلو له في هذا الشأن لا يضبطهم إلا وجوب الحفاظ بدقة صارمة على أوقات الصلوات الخمس ، وعلى حضور الوجبتين الرئيستين، وكانت هذه المواعيد هي الإطار العام للنظام في البيت.

 

وعلى هذا ، فقد كنا نعود بعد صلاة الفجر إلى النوم،  ونستمر فيه حتى الساعة الثامنة ، إذ  توقظنا منه أنامل الوصيفات الرقيقة التي تجري على أجسامنا بمسّ ناعم لطيف يعيد لها حيويتها بعد طول السبات، وما أن ينتهي التدليك حتى يكون الماء جاهزاً للإستحمام كما وتكون ملابسنا قد أعدّت أيضاً بعد أن ضمخت أثناء الليل بأزهار الياسمين والقداح وطيّب بالمسك والعنبر .

 

وتستغرق عملية الإستحمام والزينة ساعة كاملة نخرج بعدها للسلام على والدنا – السلطان –  بتحية الصباح ، ثم لمشاركته تناول الإفطار حيث يكون الطعام معداً من قبل على السفرة ، فلا نستغرق في تناوله الوقت الطويل الذي يستغرقه الأوربيون .

وبعد الإفطار يبدأ عمل اليوم ، فينصرف الرجال إلى أعمالهم خارج القصر أو داخله،  ويكاد يقتصر عمل أخوتي على حضور البرزة  أي مجلس السلطان .

 

أما النساء فينصرفن إلى شققهن أفراداً أو جماعات يتسلين بتطريز ثيابهن بخيوط الفضة والذهب أو ثياب أبنائهن أو أخوتهن بخيوط الحرير البيضاء والحمراء، أو يقضين الوقت بقراءة القصص أو تبادل الزيارات فيما بينهن داخل القصر .

 

وهكذا ينتصف النهار ، ويكون الرجال قد أكملوا واجباتهم وزياراتهم والنساء قد أرسلن رسلهن برسائل شفوية إلى صديقاتهن يخبرهن فيها عن مواعيد المساء وتكون الساعة قد قاربت الواحدة بعد الظهر وتكون صلاة الظهر قد آن أوانها، وحين تنتهي الصلاة تكون الشمس قد توسطت كبد السماء فينصرف كل شخص إلى غرفته الخاصة حيث يطيب له أن يتخفف من ثيابه عدا قميص واحد ثم يفترش على حصيرة ناعمة لينة الصنع قد نقشت بالآيات الكريمة تصيداً لقيلولة خفيفة .

 

وبين التناوم والحديث وتناول الفاكهة والحلويات يزحف الوقت إلى قرابة الرابعة حيث يحل أوان صلاة العصر، وبعد أدائها نعود إلى غرفنا لنتزين بكامل زينتنا ونعاود زيارة الوالد لتحيته تحية المساء، وكان الكبار منا ينادونه بلفظة أبي أما الصغار وأمهاتهم فينادونه سيدي .

 

ويحل الآن وقت الوجبة الثانية والأخيرة التي تجتمع من أجلها العائلة كلها وبعد انتهائها يرتب الخدم الكراسي في الشرفة الواسعة ولكن لجلوس الكبار فقط ، أما صغار القوم فيظلون  واقفين توقيراً لمن هم أكبر منهم سناً ، وللسن احترام بالغ في الشرق ليس لدى غيرهم من الأمم مثله،  فالأصغر يحترم الأكبر ولا يتقدم عليه بشئ .

 

 وهناك في الشرفة تتحلق العائلة حول السلطان ويقف بعيداً عنهم صف من العبيد المسلحين هم حرس السلطان، وتدار على الجالسين القهوة وعصير الفواكه وتمتزج بأحاديثهم نغمات تنبعث من أرغون فخم كبير، أو قطعة  موسيقية  تنطلق من الصندوق الموسيقي أو قد يستعاض عن هذا كله بغناء شجي حنون ترنمه فتاة عربية عمياء أسمها عامرة وهبها الله صوتاً جميلاً وأداء شجياً.

 

وبعد ساعة وبعض الساعات  يتفرق الجميع ويذهب كل في سبيله الذي يختار، وكان مضغ البيتل هواية شائعة في أوقات الفراغ في مثل هذا الوقت من النهار وهو عادة سواحيلية يمقتها العرب سكان شبه الجزيرة العربية ، ولكننا نحن الذين نشأنا بين الزنوج والمولدين اعتدنا عليها ، رغم استنكار أهلنا الآسيوين لها  ومع هذا كنا نمضغ هذا النبات خلسة وفي غياب السلطان الذي حرم تداوله .

 

وبمختلف الهوايات وأنواع النشاط تنقضي الفترة القصيرة التي تفصلنا عن الغروب ، ويعلن عن غروب الشمس بإطلاق الرصاص وضرب الطبول من قبل الحرس الهندي الخاص ، وهذا الإعلان يعني أيضاً حلول صلاة المغرب ، ويسرع الجميع لأداء هذه الصلاة الرابعة في موعدها المحدد لينصرف بعدها الكل ، أما لزيارة الغير أو استقبال الزوار من الإخوان وزوجات الأخوة أو زوجات الأب حيث يزجى الوقت بالمرح والسرور بين أحاديث تدار ونوادر تروى وقصص تقرأ، أو بين الخياطة والحياكة والتطريز أو لعب الورق في بعض الأحيان ولكن دون نقود أو رهان ، أو بين الغناء والإستماع إلى عزف الزنجيات على آلات طربهن الوطنية، وتدور بين هذا وذاك فناجين القهوة وكؤوس عصير الليمون وصحون الفاكهة والحلويات .

 

وفي حوالي الساعة السابعة والنصف يرتفع الأذان لصلاة العشاء وهي الصلاة الخامسة والأخيرة ولكن هذه الصلاة لا تقطع اجتماعات القوم وأحاديثهم فقد أباح الشرع تأجيل أدائها إلى أي وقت قبل النوم ، ويبدأ وقت النوم الساعة العاشرة للذين لم تتح لهم فرصة الزيارة أو استقبال الزوار، أما من عداهم فقد يمتد السهر إلى منتصف الليل أو بعده بقليل .

 

وقبل الذهاب إلى الفراش يصرف الخدم من الرجال للإلتحاق بعوائلهم التي تسكن بجوار القصر ثم تطفئ الشموع في حين تبقى الفوانيس الفضية مضاءة حتى مطلع الفجر، وتذهب السيدات إلى فراشهن بكامل لباسهن وحليهن كما قلت ذلك من قبل ، وتصحب السيدة ذات اليسار إلى فراشها وصيفة أو وصيفتين، وكما تعمل أصابع الوصيفات في الصباح الباكر على بعث الحيوية والنشاط في جسم السيدة الراقدة وايقاظها من سباتها اللطيف وأحلامها اللذيذة فإن أصابعهن تعمل في هذه الساعة المتأخرة من المساء على بعث الراحة والإسترخاء في جسم سيدتهن حتى تستسلم لسلطان الرقاد ولذيذ الأحلام وتنسحب بعدها الوصيفات إلى فراشهن .

 

ومن الخطأ الكبير القول بأن ليس لدى المرأة الشرقية ما تعمله طيلة يومها ، فصحيح إنها لا تعمل خارج بيتها لعدم حاجتها للعمل وصحيح انها لا ترسم أو تعزف على البيانو أو ترقص كما هو مفهوم الرقص عن الغربيين  أو ترتاد حفلات الليل ، ولكن هذه الأمور ليست هي كل الوسائل المتيسرة لقضاء الوقت بل هناك وسائل أخرى غيرها، وإذا كانت المرأة الأوربية تمارس الهوايات والأعمال بحثاً عن السعادة أو جرياً وراء اللذة ، فنحن الجنوبيات سعيدات وراضيات بحياتنا ولا نعرف هذا اللهاث المسعور وراء المال والملذات ولا نقره ولا نرضى به ولا يهمنا بعد ذلك أن تتهمنا المرأة الأوربية بالتخلف والجمود .

 

واستكمالاً للحديث عن حياتنا اليومية لا بد لنا من تفصيل الكلام عن الطعام ومراسمه في قصر أبي في زنجبار ، وكما سبق وقلت فإن وجباتنا الرئيسة كانتا اثنتين، ففي التاسعة صباحاً كنا نجتمع في البهو الكبير لنقبل يد الوالد ، والقاعدة العامة أن يجتمع كل أنجال السلطان وأحفاده إلى مائدة الإفطار حين يكون السلطان في القصر حتى بالنسبة لأولئك الذين يسكنون في بيوتهم الخاصة خارج القصر ولا أذكر أن أبي ذهب يوماً إلى بيت أحد منهم لتناول الطعام .

واستكمالاً للحديث عن حياتنا اليومية لا بد لنا من تفصيل الكلام عن الطعام ومراسمه في 

قصر أبي في زنجبار ، وكما سبق وقلت فإن وجباتنا الرئيسة كانتا اثنتين، ففي التاسعة صباحاً كنا نجتمع في البهو الكبير لنقبل يد الوالد ، والقاعدة العامة أن يجتمع كل أنجال السلطان وأحفاده إلى مائدة الإفطار حين يكون السلطان في القصر حتى بالنسبة لأولئك الذين يسكنون في بيوتهم الخاصة خارج القصر ولا أذكر أن أبي ذهب يوماً إلى بيت أحد منهم لتناول الطعام .

 

ولم يكن لدينا غرفة خاصة للطعام، بل كنا نتناول وجباتنا أما في الشرفة الفسيحة أو في احدى صالونات القصر حيث تنصب السفرة وتصف عليها أصناف الطعام ، والسفرة هي ما يقوم مقام طاولة الطعام وهي طاولة تشبه طاولة البليارد إلا أنها في ضعفي طول طاولة البليارد وفي ضعف عرضها ولكنها أوطأ منها كثيراً إذ لا ترتفع عن الأرض أكثر من ثلاثة إنشات.

 

ومع إن بيتنا يحوي الكثير من الأثاث الأوربي كالكراسي والأرائك والطاولات وحتى خزانات الملابس ، إلا إننا رغم كل هذا كنا نتناول طعامنا على الطريقة الشرقية الصحيحة جلوساً على الأرض فوق السجاد أو الحصران .

 

وكانت أفضلية السن والمقام واجب الإتباع بكل دقة وصرامة ، فكان السلطان يجلس إلى صدر المائدة وإلى جانبيه أبناءه الكبار حسب أعمارهم ويليهم في طرف المائدة صغارهم ممن تجاوزوا السابعة من أعمارهم .

 

وتحوي المائدة اصنافا عديدة من أطباق الطعام تبلغ الخمسة عشر صنفاً وأكثر، والرز هو قوام الطعام وسيد كل وجبة باستنثناء الإفطار وتتنوع أشكال طهيه وإعداده تنوعا لا حصر لها ، وبالنسبة للحوم يفضل لحم الضأن والدجاج وتقدم الأسماك بكثرة كما يقدم الخبز الشرقي والمعجنات والحلاوة، وخلافاً للطريقة الأوربية ، فإن الطعام يصف على السفرة قبل أن يجلس إليها أي أحد وهذه الطريقة تغني عن الخدمة ، لهذا ينسحب الخدم إلى طرف ناء من المكان ولكنهم يظلون متأهبين لتلبية الأوامر .

 

وكثيراً ما يرسل السلطان أحدهم بصحن مختار من الطعام أو بقطعة من الحلوى اللذيذة إلى أحد أطفاله الذين لا يؤهلهم سنهم للجلوس إلى مائدة السلطان أو لأحد المرضى من أفراد عائلته ، وإني لأذكر ركني المفضل في بيت المتوني حيث كانت تصل إلي فيه الأطباق الشهية التي كان يختارها إلي السلطان ، ومع إننا نحن الصغار كنا نأكل نفس أصناف الطعام الذي يقدم على المائدة للكبار إلا أنه من دواعي الفخر والسرور للواحد منا أن يكون طعامه مما يختاره ويخصه به السلطان نفسه ، وكان هذا العمل يدخل السرور والبهجة إلى قلب السلطان أيضاً.

 

وعند الجلوس على المائدة ، وقبل البدء يتناول الطعام  ،فيردد الجميع بصوت خافت ولكن بنبرات واضحة ” بسم الله الرحمن الرحيم “، وعند الإنتهاء من الأكل يردد المرء كلمات الحمد والشكر لله  كقوله ” الحمد الله رب العالمين” .

 

وكان أبي هو أول من يأخذ مجلسه على المائدة،  ثم يتبعه الجميع حسب أقدميتهم وكان هو أول من ينهض عنا ، وليست لدينا عادة تخصيص صحن لكل فرد بل أن جميع الأطباق عدا الرز تقدم في صحون صغيرة تصف بإنتظام في جميع أطراف السفرة، بحيث يستطيع أن يشترك كل أثنين بالأكل من صحن واحد، ولا تدار المشروبات مع الأكل وإنما يقدم الشرب بعد الطعام كما إننا لا نعرف عادة وضع الزهور أو الفواكه على السفرة،  وليس من العادة تبادل الحديث أثناء الأكل إلا إذا أراد السلطان نفسه يتكلم ، وما عدا ذلك فيهيمن  الصمت على الجميع وهو أمر مريح على كل حال.

 

وقبل تناول الطعام وبعده يطوف علينا العبيد حاملين أباريق الماء والطشوت الصغيرة والمناشف لنغسل أيدينا قبل الأكل وبعده، وذلك لأن أداة الأكل الشائعة عندنا هي الأصابع وقد نستعمل الملاعق نادراً ، أما الشوكات والسكاكين فلا نضعها على المائدة إلا إكراماً للضيوف الأوروبيين حين يتناولون معنا الطعام، وبعد غسل الأيدي بالماء نعطرها بماء الورد أو الكولونيا ،وبعد إتمام الوجبة بحوالي نصف ساعة  يدور الخدم علينا بالقهوة المكاوية الأصيلة في فناجين صغيرة فوق صحون الذهب والفضة.

 

ولا تختلف وجبتنا الثانية ، وهي الأخيرة التي تكون في حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر عن الوجبة الأولى في مراسيمها وترتيبها ، ولذا فلا حاجة إلى إعادة الكلام عنها ، وفيما عدا هاتين الوجبتين هناك أطباق من الحلويات وكؤوس  العصير تدار على الحاضرين بين الحين والآخر في مجالسهم واجتماعاتهم .

ولا تختلف وجبتنا الثانية ، وهي الأخيرة التي تكون في حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر عن الوجبة الأولى في مراسيمها وترتيبها ، ولذا فلا حاجة إلى إعادة الكلام عنها ، وفيما عدا هاتين الوجبتين هناك أطباق من الحلويات وكؤوس  العصير تدار على الحاضرين بين الحين والآخر في مجالسهم واجتماعاتهم

 

 

 

  – المصدر : مذكرات أميرة عربية ، بقلم السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان سلطان مسقط وزنجبار ، ترجمة عبدالمجيد حسيب القيسي ، الطبعة التاسعة ، 2006م.

– المصدر : مذكرات أميرة عربية ، بقلم السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان سلطان مسقط وزنجبار ، ترجمة عبدالمجيد حسيب القيسي ، الطبعة التاسعة ، 2006م

 

 

 

 

Your Page Title