فضاءات

عبدالرزاق الربيعي يكتب: شبر الموسوي …جبلٌ على كرسيٍّ متحرّك

عبدالرزاق الربيعي يكتب: شبر الموسوي …جبلٌ على كرسيٍّ متحرّك
عبدالرزاق الربيعي يكتب: شبر الموسوي …جبلٌ على كرسيٍّ متحرّك عبدالرزاق الربيعي يكتب: شبر الموسوي …جبلٌ على كرسيٍّ متحرّك

عبدالرزاق الربيعي

 

قبل شهور، قمت بزيارة الدكتور شبر بن شرف الموسوي الذي رحل صباح اليوم، بصحبة الصديق الشاعر سعيد الصقلاوي، ولفتت نظري قوته الروحية رغم الوهن الذي أصاب جسده، والنحول الذي ظهر على جسده، فقد كان كومة من العظام تجلس على السرير، تألمنا حينها كثيرا، ولكن ما إن تحدث حتى شعرنا إننا نجلس قبالة شبر الموسوي الذي نعرف، فقد تحدث عن كتب يشتغل عليها والدكتوراه الثالثة التي يستعد لها، ومواظبته على الذهاب للعمل، والكثير من المشاريع، التي يعد لها، لذا كتبت مقالا وصفته به” جبل على سرير”
وفي يوم رحيله استرجعت تلك التفاصيل وتلك الكلمات التي سطرتها بعد تلك الزيارة والتي حملت عنوان(جبل فوق كرسي متحرك)
ليس بالضرورة إنّنا نستمدّ القوّة من الأقوياء ، بدنيّا ، والأصحّاء ،فقط ، فقد نجدها خارج ذلك ،من حيث إنّ القوّة هي قوّة الروح ، والعقل ، وإن دبّ الوهن في الجسد ، كما هو حال جسد الصديق الذي زرته في منزله ،مؤخّرا، فوجدته قد هزل كثيرا، بعد أن تكالبت عليه الأمراض، فتناثرت جوار سريره أدوية علاج ارتفاع الضغط ،وعجز القلب ،وضعف النظر، وثقل اللسان عند التكلّم بسبب جلطة دماغيّة أثّرت على جانب جسده الأيسر، والسكري الذي أكل ساقيه، فبترت اليمنى ،قبل حوالي ثلاث سنوات، في مستشفى بتايلاند ،ودفنت هناك، ولحقت الساق اليسرى بأختها قبل عام، وظلّت خمسة شهور في ثلاّجة المستشفى ، حتى نسيها ،لكن اتّصالا جاءه من إدارته ،لتذكيره بأمرها، وتخبره إنّه في حالة عدم ذهابه لاستلامها ، سيتمّ تقطيعها إلى أجزاء ثمّ ترمى بسلّة النفايات، فعزّ عليه المصير الذي سيؤول إليه جزء عزيز من جسده، فذهب إلى المستشفى ، يحبو ،بمساعدة كرسيّه المتحرك، وقامت إدارته بتسليمه الجزء المبتور ،حسب عائديّته ،ووقّع على ورقة الاستلام ، وكانت الساق ملفوفة بقماش أبيض ،فحملها مثلما يحمل رضيعا، كما حملته لخمسة عقود ، بلا كلل ولا ملل ، كان وزنها مع تراكم الثلج قد بلغ سبعة كيلوغرامات ، حين وصل المقبرة طلب من الدفّان وضعها في قبر مناسب، موصيا إيّاه ، بعد دفع أجور الأتعاب ، أن يحافظ على المكان المجاور لها، لكي يدفن بقيّة جسده قربها!!


كان يروي لي تلك الحكاية، وهو يبتسم ، بينما كنت ،وأنا أصغي له مكبرا به هذه الصلابة ، والروح الوثّابة ، في تعاطيه مع مسألة الموت بهذه الواقعيّة الموجعة ، كنت أحاول أن أخفي دموعي ،ما استطعت إلى ذلك سبيلا ،بين طيّات قلبي،خشية ايلامه .

حدّثني عن أمل دنقل ،مردّدا ” في غُرَفِ العمليات /كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ /لونُ المعاطفِ أبيض /تاجُ الحكيماتِ أبيضَ…كوبُ اللَّبن/كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ /كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!”

كانت الكتب تتناثر حول ضفاف سريره الذي يلازمه مثل طفل ،ولا يغادره إلّا للذهاب إلى الحمّام ،أمّا طرفاه الاصطناعيّان، فلا يستعين بهما إلّا عندما يغادر البيت للعمل الذي لم يثنه عنه المرض ،ولا الدراسة التي أمضى بها سنوات حتّى نال درجتي الدكتوراه في تخصّصين مختلفين ،وكان قد أكمل استعداداته للدكتوراه الثالثة ، ،غير أنّ اشتداد المرض حال دون اكمالها ، ويصرّ على إدراجها ضمن مشاريعه المستقبليّة العديدة ،ومنها طباعة أكثر من كتاب جديد، تضاف إلى كتبه العديدة المحفوظة في صناديق مركونة في أقصى الغرفة.
لكنّ هذا الحال ، من مرض القلب بعد اجراء عمليّة القلب المفتوح، وضعف نظر الذي لم تصحّحه عمليّة جراحيّة ، وصعوبة التنفّس لامتلاء رئتيه بالماء، وبطء الحركة، وثقل اللسان بسبب آثار الجلطة ، والأقسى من ذلك الوحدة ، أقول: كلّ هذا لم يثن من عزيمته ، فهو يقرأ ،ويكتب، ويواصل العمل، ويتابع الأخبار ،والبرامج التلفزيونيّة، ويخطّط للقادم من الأيّام بعد حصوله على التقاعد ، بشراهة للحياة تثير الإعجاب!


حكاية صاحبي هذا ليست من صنع الخيال ، ولم التق ِ به في مدينة أوروبيّة، أو عاصمة عربيّة، بل يعيش بيننا ، مستمدّا هذه القوّة، والعزيمة من ايمانه بالله ،وحبّه للحياة .

ومن يظنّ إنّني بالغتُ في الوصف ليذهب إلى منزله الكائن في الخوض، ،أو مقرّ عمله في مطار مسقط، ليتأكّد بنفسه ، وليسأل عن جبل صبر ، وعزيمة ،وإرادة اسمه : الدكتور شبّر بن شرف الموسوي .

Your Page Title