أخبار

على هواكَ اجتمعنا أيُّها الوطنُ

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

د. نسيمة بنت محمد بن سعيد المشيخيه – مشرف أول بوزارة التربية والتعليم

حُبّ الوطن المصطلحُ الرائج بين الأمم والحضارات والشعوب على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم يتغنَّون بنشيده، يمجِّدون تاريخه وأمجاده، ويصطبغون بلون ترابه وطهره، يرسمون بسمة فخر ونشوة فرح واعتزاز غامر “مستديم” ففي حب الوطن تغنى الشعراء ونظموا القصائد والأبيات بمشاعر ينبع منها الصدق والشوق والحب، حتى قال أحدهم:

” كم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل”

وقال آخر: “دفنتَ ربيــع عمرك في بلادٍ لهــا طالت لياليك القصارُ‏، إذا لم تحوِ تربتهـا حجــاراً، فبين ضلـوع أهليهـا الحجار”

وقال آخر: “مهما يَجر وطني علي وأهلُه، فالأهل أهلي والبلادُ بلادي”

وقال آخر: ” وطَني لَو شغِلتُ بِالخلدِ عَنهُ نازَعَتني إِلَيهِ في الخلدِ نَفسي”

فلا غَرْو إذًا إذا رأينا النبيَ (صلى الله عليه وسلم) وهو يُودِع مكةَ -وقد لاقى منْ أهلِها ما لاقَي – أنْ يُخَاطبُها قائلاً:
( وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في الرقية: باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا.


وقد قال الجاحظ: كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه!

فحب الوطن ثورة ذاتية ملتهبة في النفس، مفهوم ناشئ من العمق الحقيقي للتفاني من أجله، وفطرةٌ فطرَ اللهُ الناسَ عليها، فليسَ منْ بشرٍ سويٍ إلا وَفِي قلبِهِ حب جارفٌ لوطنِهِ، فَهُوَ المنبتُ والمنْشَأُ، وذكرياتٌ الطُفولةِ ومراتعُ الصبا، أرضُ الآباء والأجدادِ وملاذُ الأبناءِ والأحفاد، هو الحضنُ الدافئ والمرفأُ الآمن، والشجرةُ الوارفةُ التي يسعدُ الجميعُ بظلِها، وقصيدةُ الشعرِ التي زينتْ أبياتُها أيامَ عمرِنا، وهو الحبُ الذي لا ينْتَهى، والعطاءُ الذي لا يُحَدُ

وحب الوطن كذلك هو شعور بالولاء والانتماء وهما أمران متلازمان؛ فالولاء عمومًا هو أساس الالتزام تجاه الآخرين في العلاقات الاجتماعية المختلفة، وكذلك الولاء للوطن؛ هو أساس الالتزام تجاهه؛ ومن أوجه ذلك أن يضع الأفراد المصالح العامّة المشتركة أولًا قبل المصالح الشخصية أو القبلية أو غيرها، ووفقًا لهذا المفهوم؛ لا يُمكن الشعور بالولاء تجاه الوطن دون حبّه أولًا، ولا يُمكن الإقرار بالحب دون ممارسة الانتماء والولاء له.

وكل ذلك ليس تعبيرات رمزية لحظية، أو شعارات وصورًا وأعلاما تبرز في يوم من أيام السنة، أو عبر يوم إجازة رسمية، أو برنامجا إذاعيا مدرسي أو إخباريا، و ليست فقط كلمات ننظّمها، ومشاعر نعبر عنها، ودموع نجهش بها، وصفحات تعبير نكتبها لأبنائنا في المدارس، إنما حب الوطن سلوك وأفعال يجب أن نقوم بها لنثبت انتماءنا وولاءنا الحقيقي الذي يعبر عنه بالتضحية والفداء بالنفس والمال والولد.

فالجندي بثباته وصبره وحراسته للحدود هو حب للوطن، والشرطي الذي يسهر على أمن أبناء شعبه هو حب للوطن، والصانع في مصنعه، والتاجر في متجره، والفلاح في أرضه، والكاتب في قلمه، والشاعر في أبياته، والرسام في ريشته، والطبيب في مشرطه، والمهندس، والطالب ، والمُعلم ، والأب والأم لتنشأ العاطفة التي تُلهم الجميع بما ينبغي لهم أن يقدِّموه لوطنهم في كل المجالات وليتسنى لهم القيام بدورهم على أكمل وجه، والتعبير عن حبهم للوطن من خلال القيام بالواجبات والسلوكيات المختلفة ، فالحفاظ على النظافة العامة من علامات حب الوطن، والتقيد بالتعليمات والانضباط والالتزام تعد من أسمى صور حب الوطن، والسعي نحو تلقي العلم والمعرفة العامل الرئيسي لرفعة الوطن ، فرصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، ويقاس تقدم الشعوب والأمم بمستوى تعليم أبنائها.

“فعلى هواكَ اجتمعنا أيُّها الوطنُ.. فأنتَ خافقُنا والرّوحُ والبدنُ”

Your Page Title