هيثم بن إبراهيم المحرمي- باحث قانوني
ثارت من البعض مؤخرًا تساؤلات حول ماهية التحفظات في المراسيم السلطانية أرقام ٤٤/٤٥/٤٦- ٢٠٢٠م، وسنتناول في هذا المقال جزئية بسيطة جدًا في فرع من فروع القانون الدولي العام تتعلق بمفهوم التحفظات وشروطها.
تعد الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف مسلكًا من مسالك التعاون والتفاهم الدولي حول القضايا المختلفة، غير أن الخلاف يثور في بعض بنود الاتفاقيات التي قد ترفض دولة أو أكثر الاعتراف بها لاعتبارات عدة مختلفة، وسوف نركز في المقال حول ماهية التحفظ وشروطه.
كثيرًا ما نسمع عن انضمام الدول للاتفاقيات الدولية مع مراعاة التحفظات المشار إليه، وقبل الشروع في موضوع التحفظ سنتعرف على مفهوم “الاتفاقية الدولية” وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م، فقد نصت المادة الثانية من الاتفاقية في الفقرة أ على أنه ” اتفاق بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه ” بالإضافة إلى تعريف الفقهاء المختلفة في مؤلفاتهم”.
نستنتج من التعريف أعلاه شروطا للاتفاقية منها أن تكون بين دولتين وأكثر، وأن تخضع للقانون الدولي، وتكون مكتوبة، بالإضافة إلى شروط تفصيلية يمكن الرجوع إليها في مؤلفات فقهاء القانون الدولي العام.
قبل معاهدة فيينا تعددت الاتجاهات إزاء التحفظات التي تبديها الدول فالرأي الأول قائم على قاعدة الإجماع، فكان التحفظ يستلزم الموافقة بالإجماع أي موافقة جميع الأطراف على التحفظات التي تبديها الدول ولا تصبح سارية المفعول إلا إذا انعقد إجماع جميع أطراف المعاهدة بالموافقة عليها، فإذا تم رفض التحفظات من بعض الأطراف وأصرت الدولة المتحفظة على موقفها تسقط عضويتها من الاتفاقية.
الاتجاه الثاني قام على قاعدة السيادة المطلقة للدولة مما يعني أن إبداء التحفظ حق أصيل لكل دولة، وقد أخذ بهذا الاتجاه الاتحاد السوفيتي سابقا وبعض البلدان الاشتراكية معللة ذلك بأن حق التحفظ هو السبيل الوحيد الذي يضمن للأقلية حقوقها وفي حال عدم منحها هذا الحق فهي أمام خيارين إمام قبول الاتفاقية كلية أو رفضها بالكلية مما يفوت عليها مزايا كثيرة فيما لو تم الاعتراف لها بحق التحفظ.
جاء تعريف التحفظ في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المادة الثانية الفقرة د فيصلا لهذه الاتجاهات وعرفه على أنه ” إعلان من جانب واحد، أيا كانت صيغته أو تسميته، تصدره دولة ما عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو إقرارها أو انضمامها إلى معاهدة، مستهدفة به استبعاد أو تغيير الأثر القانوني لبعض أحكام المعاهدة من حيث سريانها على تلك الدولة “.
ويهدف هذا التعريف للتحفظ إلى إيجاد نوع من التوازن بين الاتجاهين أعلاه، حيث باستطاعة الدول التحفظ على بعض بنود المعاهدات الدولية مع بقائها عضوًا في المعاهدة، وهذه رؤية توافقية كفلت الحق للجميع بشكل كبير إذا لم يكن بشكل كامل.
وللتحفظ شروط شكلية وموضوعية يصعب المقام لتفصيلها هنا وضحتها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعامي 1969 و1986 فبالنسبة للشروط الشكلية نصت المادة 23 على الإجـراءات الخاصة بالتحفظات كما يلي:
1- يجب أن يبدى التحفظ، والقبول الصريح به والاعتراض عليه كتابة وأن يوجه إلى الدول المتعاقدة والدول الأخرى المخولة بأن تصبح أطرافا في المعاهدة.
2- إذا أُبدى التحفظ وقت التوقيع على المعاهدة الخاضعة للتصديق أو القبول أو الموافقة فيجب أن تثبته الدولة المتحفظة رسميا لدى التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة وفي مثل هذه الحال يعد التحفظ قد تم من تاريخ تثبيته.
3- القبول الصريح للتحفظ أو الاعتراض عليه المبديان قبل تثبيته لا يحتاجان إلى تثبيت.
4- يجب أن يُبدى سحب التحفظ أو الاعتراض على التحفظ كتابة.
أما فيما يخص الشروط الموضوعية بالرجوع إلى المادة 19 من اتفاقية فيينا فقد أوضحت بأن التحفظ حق أصيل للدول والمنظمات وذكرت استثناءات على هذا الحق كالآتي:
1- ألا يكون التحفظ محظورًا بنص المعاهدة.
2- أن تكون المعاهدة قد أجازت تحفظات ليس من بينها ذلك التحفظ.
3- ألا يكون التحفظ مخالفًا لموضوع المعاهدة والغرض منها.
ولكل شرط من الشروط الشكلية والموضوعية تفصيل كبير وفيه اتجاهات فقهية مختلفة لمن أراد الاستزادة فيه الرجوع إلى مؤلفات فقهاء القانون.
أسباب التحفظ ومبرراته:
من طبيعة القانون المرونة ومواكبة العصر في سن القوانين واختلاف الثقافات يؤدي إلى اختلاف وجهات النظر حول بعض بنود الاتفاقيات والمعاهدات، ولهذه التحفظات مبررات قد تكون دينية وسياسية واقتصادية حيث تسعى الدول للمواءمة بين الاتفاقيات متعددة الأطراف وقوانينها الداخلية التي تنسجم مع طبيعة مجتمعاتها وهو ما حدا بمحكمة العدل الدولية في رأيها الصادر في عام 1951م، بإجازة التحفظ على الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع جريمة إبادة الجنس البشري، وقررت أن الدول الأطراف عليها أن تقبل أي تحفظ تبديه دولة أخرى ما لم يوجد ما يمنع من اعتبار الدولة المتحفظة طرفا في الاتفاقية، ولم يتعارض تحفظها مع موضوع الاتفاقية وأهدافها .
وكمثال على المبرر الديني تحفظ المملكة العربية السعودية على المادتين 16 و18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 بسبب تعارضهما مع الشريعة الإسلامية وكذلك التعارض مع المادة الأولى من نظامها الأساسي للحكم .
نقطة أخيرة أود توضيحها وهي الفرق بين التحفظ بالاستبعاد والتحفظ التفسيري؛ فالتحفظ بالاستبعاد يهدف إلى استبعاد الأثر القانوني للنص محل التحفظ بألا ينطبق على الدولة أو المنظمة الدولية التي أبدت التحفظ.
والتحفظ التفسيري يهدف إلى إعطاء النص المتحفظ عليه معنى معينا يطبق في إطاره على الدولة أو المنظمة الدولية مبدية التحفظ أو أن ينطبق النص وفق تفسير لا يتعارض مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها النظام القانوني للدولة المتحفظة.
الخلاصة:
التحفظ على الاتفاقيات حق لكل دولة بشروطه الشكلية والموضوعية الموضحة في المقال، والتحفظ لا يجعل من الدولة المتحفظة خارج الاتفاقية بل على الدول الأطراف قبولها كعضو في الاتفاقية، وللتحفظ مبررات كثيرة لكل دولة نظرته الخاصة للاتفاقيات، شريطة ألا يخالف التحفظ هدف الاتفاقية الأصيل.