أثير – مكتب صلالة
إعداد: سهيل العوائد
سَعى الإنسان منذ بدايات وجوده على الأرض إلى تعلّم فن العمارة وتخليد أفكاره وإبداعاته من خلال هذا الفن، حيث عمل على توظيف الموارد الطبيعية المحيطة به لتوفير سكن مناسب يحميه من تقلبات الطبيعة.
وقد وقفت “أثير “على حالة الطراز المعماري في ظفار بعد تأثيرات الأنواء المناخية الأخيرة.

حيث تّحدث د. سالم بن عقيل مقيبل، باحث في تاريخ عمان الحديث والمعاصر قائلاً لـ “أثير” : يبلغ عدد الحارات التاريخية في ظفار حوالي إحدى عشرة حارة تاريخية منها:(حافةالشنافر، حافة السادة، حافة الرواس، حافة المراهين، حافة عوقد الشرقية، حافة عوقد الغربية، الدهاريز القديمة ، طاقة القديمة، مرباط القديمة، سدح القديمة، رخيوت القديمة) وهذه الحارات بما فيها المساجد الأثرية والبيوت القديمة، يتجاوز عمرها تقريبا مائتين إلى ثلاثمائة سنة، حيث تعاقبت عليها الأجيال جيلا بعد جيل، وتُعرف هذه البيوت عادةً بساكنيها، وتتميز بطراز معماري ظفاري ذي طابع خاص، حيث يظهر ذلك في تفاصيل الهندسة الداخلية للبيت، كما يمكن مشاهدة ملامح هذا الطراز في تفاصيل الشكل المعماري الخارجي، وقد أثارت زوايا التهوية الداخلية للبيوت الأثرية الظفارية، اندهاش بعض المهندسين المعماريين بجامعة السلطان قابوس، بقيادة البروفسورة نعيمة أحمد بن قاري، حيث عبرت عن اندهاشها وإعجابها بهذه الخصوصية المنفردة لتفاصيل وملامح الهندسة الظفارية الفريدة.

وأضاف مقيبل أن التراث الثقافي المعماري يُمثل هوية المجتمع وثقافته، ونحن اليوم بحاجة إلى حفظ وحماية هذا التراث من العبث والتلف والاندثار حتى تتمكن الأجيال القادمة من دراسته ومعرفته والاستفادة منه، كما أن هذه الحارات التاريخية ستمثل الوجهة السياحية الأولى في المرحلة المقبلة من العالم.
وعن تصميم المباني القديمة يقول مقيبل: صُممت هذه البيوت لتعيش وتتكيف مع البيئة وتناسب سكانها، وهي مكونة من الحجر الجيري (الحجر القص) الذي يُقلع من المحاجر، مع الطين الجيري (الخطري) والخشب المحلي المستخرج من أشجار النارجيل (جوز الهند)، أما عن سماكة الجدار فيمتّد عرضه إلى حوالي متر تقريبا، والمداخل تكون على أشكال أقواس نصف دائرة بنسق هندسي فريد.

وذكر: من هنا نناشد الجهات المختصة بالاهتمام بهذه البيوت التراثية وإعادة بنائها، وجعلها مراكز ثقافية ومزارات سياحية للزوار والسياح، ولنا في النماذج الأهلية خير مثال على الاهتمام بالبيوت الأثرية، حيث قام أحفاد التاجر سالم بن أحمد السيل الغساني بترميم بيت جدهم الأثري ليصبح اليوم علامة بارزة للتراث الظفاري القديم، والذي سيتحول مستقبلا إلى متحف تراثي مذهل وسيفتح لطلاب كلية الهندسة والطراز المعماري بعمان، آفاقًا رحبة وجديدة في البحث والتصميم والإبداع ، كما أنه سيعمل على اثراء السياحة المعمارية والتراثية بالمحافظة، وهناك نموذخ آخر يتمثل في بيت السيد عبدالله بن إبراهيم الذي بناه معالي يوسف بن علوي عبدالله آل ابراهيم، وهو بيت خاص يجسد الطراز المعماري بظفار، أما النموذج الثالث فهو بيت نزوى أو بيت “سيدوف” في مرباط الذي آلت ملكيته مؤخرا لوزارة التراث والثقافة. ونُهيب من هنا عبر “أثير” بالوزارة بأن تنهي أعمال الترميم والتطوير لهذا المعلم التاريخي الفريد لما يُمّثله من قيمة تاريخية كبيرة للمحافظة، كما أنّ هذه البيوت الأثرية القديمة، يُمكنها أن ترفد الاقتصاد الوطني وتوجد فرص عمل جديدة للباحثين عن عمل حيث يمكن الاستفادة منها في أكثر من جانب :
– أولاً: متاحف تحوي تراث المنطقة، مثل بيت الشيخ سالم السيل الغساني.
– ثانيا: مكتبات أثرية تحوي الكتب والمخطوطات والوثائق القديمة الذي يحكي التراث العلمي.
– ثالثا: نُزل تراثي (فندق تراثي)
– رابعا: بيت تراثي خاص
ونناشد وزارة السياحة ووزارة التراث والثقافة، وغيرها من الجهات المختصة أن تقوم بدعم هذه المشاريع التي ستعمل على حماية هذا التراث المعماري، كما أنها ستسهم بشكل كبير في دعم وتعزيز السياحة التاريخية والتراثية لعمان، خصوصا في ظل ازدهار هذا النوع من السياحة على مستوى العالم ، وعمان سلطنة عريقة ولها هوية تاريخية خاصة وإرث حضاري عظيم، ولا بُّد أنْ تظهر تراثها وتاريخها للعالم بصورة رائعة ومنظمة

من جِهة أخرى تحدّث” لـ “أثير” الباحث الأستاذ أحمد بن محاد حويرار المعشني من ولاية طاقة حيث قال :
إن العمارة التقليدية مفردة من أهم مفردات التاريخ الثقافي للمجتمعات، لأنها تكشف عن الكثير من المكنونات الثقافية والتراثية وتعبر عن درجة الوضع
الاقتصادي السائد آنذاك، كما أن إنجاز العمائر الضخمة المتقنة يحتاج إلى تمويل قد لا يتوفر إلا في المجتمعات التي تتمتع بقدر يسير من الثراء، ثم إن إنجازها يحتاج إلى خبرات بشرية متمرسة ابتداءً بالمهندس الخبير ومرورا بسلسلة طويلة من الخبرات البشرية التي يتطلب وجودها تراكم الخبرات وديمومة العمل، وانتهاء بمهارة العامل البسيط.

وأضاف المعشني بأن العمارة العمانية تعد مدرسة كبيرة وجزءًا مهما من العمارة الإسلامية؛ وذلك لثراء مكوناتها وتنوع مفرداتها، وتُعّد العمارة التقليدية في محافظة ظفار من أهم فصول العمارة العمانية، لِما تتميز به من ثراء وتحويه من عناصر، فالمتجول في الأحياء التقليدية في مدن ظفار الساحلية (من حاسك شرقا إلى ضلكوت في الغرب) سيشاهد دون عناء الطابع المتميز للعمارة الظفارية،وعندما نتحدّث تحديدا عن مدينة طاقة العريقة سنجد أن الحي القديم لا يزال يحتفظ بالكثير من البيوت التقليدية التي شُيّدت منذ قرون، وهي شاهدة على تفاصيل المعمار الظفاري القديم؛ من حيث مفردات التخطيط، ومواد البناء المستخدمة، ومرافق البناء، والأنماط المعمارية المختلفة سواء السكنية أو التجارية أو العسكرية أو غيرها من الأنماط، ولا يخفى على أحد أهمية الحفاظ على هذه الثروة المعمارية، وضرورة وضع خطط وإستراتيجيات للحفاظ عليها وصيانتها واستغلالها الاستغلال الأمثل لحمايتها من العبث والتخريب والانهيار.
وكان الباحث سعيد بن خالد العمري من ولاية مرباط قد تحدث نشر مقالًا في “أثير” تحدث فيه عن أهمية البيوت الأثرية في مرباط وضروة المحافظة عليها وحمايتها من العبث والتخريب والاندثار.