فضاءات

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير”: الراوي والروائي؛ هل أنت بطل هذه الرواية؟

الروائي الأردني جلال برجس  يكتب عبر “أثير”: الراوي والروائي؛ هل أنت بطل هذه الرواية؟
الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير”: الراوي والروائي؛ هل أنت بطل هذه الرواية؟ الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير”: الراوي والروائي؛ هل أنت بطل هذه الرواية؟

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

كثيرا ما يتساءل القراء بعد انتهائهم من قراءة رواية ما: هل بطل الرواية هو الروائي نفسه؟ وهنا يأخذ القارئ وبوعي غير مباشر بإيجاد تقاطعات بين الشخصية ومبتكرها. وما هذا التساؤل إلا لأن الرواية كانت على درجة عالية من الصدق في رسم الشخصيات، والإقناع، والقدرة على اقتياد القارئ بسهولة ليصبح جزءً من المجموع العام للعمل السردي. ولكن إلى أي درجة يمكن للروائي استثمار خبرته الحياتية في عمل روائي أو أكثر من عمل؟ وهل يأتي هذا الاستثمار بنية مبيته، أم أنه فعل سردي لا إرادي؟

برأيي لا يمكن للروائي أن يكون بعيدًا عن نصه بشكل مطلق لأن الكتابة الروائية هي نتاج زمن من المشاهدات والتأملات، وكل ما يمر به على الصعيدين الذاتي والموضوعي. ربما يوجد في الشخصية الرئيسية، أو في شخصية فرعية، أو في روح العمل. في بدايات الكتابة ربما لن يكتشف ذلك التقاطع بينه وبين إحدى شخصيات نصه، لكنه حتما فيما بعد سيعي ذلك. في هذا الصدد برأيي أن الروائي المتمكن من أدواته هو ذلك الذي يتقن التخفي فلا يدل عليه، حتى لا يختلط وعي السيرة بوعي الرواية. لكن ماذا لو ذهب إلى موضوعة روائية لا تتيح له التقاطع بين مفردات عيشه وبين مفردات عيش الشخصية ووعيها؟ هنا يبرز السؤال الأهم: كيف يمكن للروائي أن يقدم شخصية مقنعة وصادقة للقارئ الذي حينما يجد الطرق إليها ميسرة يتبادر إلى ذهنه التساؤل: هل هذه الشخصية هي نفسها شخصية الروائي؟ تساؤل أراه بمثابة نجاح لجهود رسم الشخصية وترسيخها. على الصعيد الشخصي حافظت على أن أبعد مفرداتي الذاتية عما كتبت من روايات، لكني في المقابل كنت منشغلًا بتلك الدرجة العالية من صدق الشخصية ودرجة إقناعها للقارئ، وأكثر تلك الشخصيات هي شخصية (إبراهيم الوراق) محور رواية (دفاتر الوراق)؛ إذ قمت بتقمصها وعيش مفرداتها على مدار ما يفوق الخمسة أشهر. إبراهيم الوراق شخص فقير، منعزل رغم عيشه في مدينة صاخبة، يعاني من فصام في الشخصية، يتلبسه الخوف حيال كل شيء، لديه حيوات كثيرة مؤجلة. لأشهر كنت أتصرف بوعي إبراهيم، وبكل سماته اليومية، وتحركاته، وطريقة تفكيره، وحتى بشكل ملابسه، ومشيته. في البداية كان هذا صعب عليّ لكن فيما بعد وجدت الشخصية تتلبسني فأنطق باسمها إلى درجة أني عبرت الشارع ذات يوم ماطر فدهستني سيارة في اللحظة التي كنت أعقد حوارًا بين إبراهيم وبين الصوت الداخلي الذي يسكنه، ويحرضه على الخروج من قوقعة الخوف. لكن هل هذا يعني تقاطعًا ذاتيا بمكون الشخصية؟ هل إبراهيم هو نفسه جلال برجس؟ بالطبع لا. لكن أمام هكذا نوع من الشخصيات، وأمام هكذا طريقة في ولوج دواخلها يصبح الروائي منهمكا بآلية الخروج منها والذهاب إلى شخصية جديدة.

تلعب الذاكرة إلى جانب الحساسية العالية في النظر إلى ما حولنا، وإلى العالم دورًا مهما في أن تتسرب أحداثنا الشخصية إلى ما نعكف على كتابته وخاصة الرواية. فالخبرة الأهم في حياة الروائي هي الخبرة الشخصية، أي مجموع ما حدث له عبر سنين حياته التي سبقت قرار الكتابة. من هنا ينصح كثير من النقاد والدارسين بأن قرار كتابة الرواية من الخطأ أن يأتي في عمر مبكر، وما ذلك إلا ليتسنى للكاتب/ة أن يمر بمراحل على الصعيدين الذاتي والموضوعي تؤهله للكتابة. رغم أن هذا الرأي ليس نظرية ثابته إلا أن فيه باعتقادي مستوى معقولًا من الصواب. ومن جانب آخر تتداخل فكرة تقاطع حياة الروائي برواياته بالرأي النقدي الذي يرى أن الروائي يكتب عملاً واحدًا، وباقي أعماله تدور في فلك عمله هذا. وأيضا هذا الرأي ليس قاعدة ثابته لكن ربما يمكن اسقاطه على بعض ما أنجزه الروائيون خاصة الذين ذهبوا إلى كتابة الرواية جراء أزمة معينة خلخلت حياتهم. عمومًا حتى لو تداخلت حياة الروائي بالراوي هذا لا ينفي أننا نتعامل مع رواية بمعاييرها الفنية والسردية والمعرفية، فما حيواتنا إلا رواية منا من يقوى على كتابتها، ومنا من يقرأها عبر أقلام الآخرين.

Your Page Title