أثير- عبدالرزّاق الربيعي
” أحلم أن أشاهدها كما أشاهد المتعة البصرية في مدينة والت ديزني وبالتأكيد فليس هذا تدخّل مني في عمل المخرج إنما هي إشارات لتحفيز فكرة للعمل الخلاق المبدع”.
بهذه الكلمات ختم الشاعر الراحل كريم العراقي ملاحظاته على مسرحية (قوس المطر) التي كتبها للأطفال عام 2010 م وللشاعر، كما هو معروف، تجارب غنيّة في الكتابة للطفل، أسفرت عن كتب شعرية ومسرحيات، والعديد من الأوبريتات المدرسية التي كتبها، وأشرف على تنفيذها، خلال عمله في النشاط المدرسي ببغداد في الثمانينيات، ومن بين إصداراته المخصّصة للأطفال: ذات مرّة، وسالم يا عراق، والخنجر الذهبي، والشارع المهاجر، وكسل وبغلته الرمادية، وسيناريو فيلم (الخياط المرح)، وفازت قصيدته “تذكّر” التي غنّاها الساهر عام 1998م بجائزة اليونسيف وتُرجمت إلى 18 لغة، وجاءتْ تعبيرا عن معاناة أطفال العراق في سنوات الحصار، لتكون رسالة من أطفال العراق إلى كلّ العالم :
قلبي على جرح الملائكة النوارس
إني أراهم عائدين من المدارس
باست جبينهم المآذن والكنائس
إلى متى هذا الدمار؟
جفّت ضمائرهم
ما هزّهم هذا النداء
رفت له حتى ملائكة السماء
جفت ضمائرهم وما جفت دموع الأبرياء
وحكاية المسرحية التي تتألف من (98) صفحة، بدأتْ من زيارة الشاعر كريم العراقي الأولى لمسقط عام 2011 بدعوة من الصديق الإعلامي موسى الفرعي لإقامة أمسية بقاعة المرجان الملحقة بنادي الطيران المدني بالعذيبة مساء الثلاثاء الموافق3 أغسطس 2010 م، حملت عنوان (غناء أبقى من الطوفان- تجربتي مع الشعر والصبر والمنفى) أدارها د. ناصر البدري، وحضرها أكثر من (800) شخص، وبعد الأمسية عرض النص على الإعلامي موسى الفرعي، ليرى النور على المسرح، لكنّ تحويل مثل هذه النصوص الاستعراضيّة يحتاج إلى ميزانية ضخمة، فالمسرحية تتألّف من (16) مشهدا، تجسّدها (28) شخصية، إلى جانب تكاليف بناء ديكورات جاذبة للأطفال، واكسسوارات، لذا جرى التخطيط لطباعة النص أوّلا، ثم حدثت ظروف أدّت إلى تأجيل المشروع، تمهيدا لكي يُطبع بشكل يليق بنتاج الشاعر، فبقيت مخطوطته في حوزة الفرعي، وبقي حلم الشاعر بمشاهدتها على المسرح قائما، ولو ألقينا نظرة سريعة على النص الذي يتألف من (98) صفحة، لرأينا أن أحدثه تدور أحداث تدور في مزرعة الفلّاح (سالم) بطل المسرحيّة حيث الجراد يهدد أمن المزرعة، وتقف بمواجهة هجماته مجموعة من الحيوانات: دجاج المزرعة، والكلب هَو هَو، والذئب لبلاب، ودمى وتماثيل مزيفة، وقوس المطر، التي حملت المسرحية اسمها، إلى جانب شخصيات أخرى عديدة من بينها الحواس الخمس، في مسرحية كما وصفها كاتبها في ملاحظاته” تجمع بين المسرح والسينما والحكاية الشعبية بروح معاصرة ويلعب التشويق والتسلية فيها الدور الكبير”، فهي خلطة من الفنانتازيا، والأحداث الغرائبية المحملة بالرموز، وتعالج قضايا إنسانية كبيرة، بشكل مبسّط قريب من مدارك الأطفال، تطرح على ألسنة الحيوانات، فهي أشبه ما تكون برواية (حديقة الحيوان) لجورج أورويل من حيث المكان الذي تقع به الأحداث (المزرعة) والرسائل الضمنيّة، التي تدين الشر وتنتصر للخير والجمال بإطار كوميدي محبّب للطفل، وكان لابدّ للشاعر كريم العراقي أن يضع لمساته الغنائية الجميلة، على مسرحيّته، ففي أغنية المقدمة التي يستهل بها العرض يغني سالم الفلاح:
صيري يا دنيا مزرعة
شجرا وزهورا وحمام
نزرعك قمحا .. فاكهة
ونعيش بحب وسلام
فتجيبه (قوس المطر) وهي مستشارته التي يلجأ إليها في كل أمر:
أسفي يا عم أرى بشرا
تمطر أوبئة ورصاص
قطعوا آلاف الأشجار
دفنوا آلاف الأزهار
تركوا أطفالا ونساء
من غير طعام وديار
ولا أريد أن أتحدّث أكثر عن أحداثها، لكي لا أفسد على القارئ متعة تصفّح نص الشاعر كريم العراقي الذي ستتولى طباعته مؤسّسة “أثير” الإعلاميّة، وتخصيص ريعه لدعم الجمعية العمانية للسرطان، اعتزازا منها بنتاج هذا الشاعر الكبير، ونحن على ثقة بأن الأيام ستكشف عن الكثير من أعماله غير المنشورة.