أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
حظي التعليم في سلطنة عمان باهتمامٍ كبير منذ القدم، وتدرجت أشكال المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة الإنسانية الكبيرة وأنواعها من عصرٍ لآخر، ومن بين أبرز أشكالها: الكتاتيب، وحلقات الجوامع، والمدارس الأهلية لدى بعض البيوتات الكبيرة، والمدارس الملحقة بالمساجد التي تقدم علومًا أكثر تنوعًا من الكتاتيب، والمدارس شبه النظامية كمدرسة الأستاذ محمد علي بو ذينة خلال الفترة من 1914-1928.
وفي عام 1928م تم افتتاح المدرسة السلطانية الأولى كأول مدرسة نظامية حديثة في سلطنة عمان ثم تبعتها المدرسة السلطانية الثانية، والمدارس السعيدية في مسقط ومطرح وظفار لاحقًا، مع وجود بعض المدارس الأهلية في بعض المدن كمدرسة دار الفلاح في صور، والمدرسة الكمالية في صحار وغيرها.
كما حرص السلطان تيمور بن فيصل على تعليم ابنه السلطان سعيد بن تيمور وفق أحدث أساليب التدريس وقتها، حيث أرسله إلى إحدى المدارس الهندية الخاصة ثم رغب في إرساله إلى مصر للتزود بالعلوم العصرية في إحدى المدارس المشهود لها بالكفاءة، لكن تم تغيير اتجاه البعثة إلى بغداد حيث التحق السلطان سعيد بالمدرسة الأعظمية في بغداد في سبتمبر عام 1927 قبل عودته إلى عمان وتوليه رئاسة مجلس الوزراء خلفًا للسيد محمد بن أحمد الغشام.



ومنذ نهاية الثلاثينات من القرن الماضي أصبح التعليم يخضع للإشراف الحكومي، حيث تم إنشاء دائرة للمعارف يرأسها الأستاذ إسماعيل الرصاصي مدير المدرسة السلطانية الأولى، وتولت دائرة المعارف الإشراف على المدارس، ومنذ تلك الفترة عرفت سلطنة عمان تسيير بعض البعثات التعليمية ومن أبرزها: بعثة العراق سنة 1937، وبعثة غيل باوزير سنة 1962.
واستكمالًا للجهود المبذولة في الارتقاء بالعملية التعليمية فقد رغبت الحكومة في إرسال مجموعة من الطلبة العمانيين لمواصلة تعليمهم النظامي خارج السلطنة، ويبدو أن الفكرة كانت تقضي بتأهيلهم وإعدادهم ليكونوا معلمين بالمدارس السعيدية لاحقًا.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من كواليس بعثة بغداد عام 1937م من حيث أسبابها، وأبرز أعضائها، والمشرفين عليها، وردّة فعل الصحافة والشعراء تجاهها.
“أثير”
إرسال البعثة
بأمرٍ من السلطان سعيد بن تيمور، تقرر إرسال مجموعة من الطلبة العمانيين إلى العراق وذلك في عام 1937، وتألفت البعثة من السيد فهر بن تيمور، والسيد ثويني بن شهاب، وعبد الله بن محمد الطائي، وأحمد بن محمد الجمالي، وهؤلاء كانوا جميعًا من مسقط، وأضيف إليهم من صلالة حفيظ بن سالم الغساني، وكانت البعثة بإشراف الشيخ أحمد بن سعيد الكندي.
وقد أورد الباحث الدكتور ناصر بن عبد الله الصقري اسمًا آخر وهو حبيب شنون جمادار، وربما كان مرافقًا للبعثة وليس ضمن قائمة الطلاب.

أعضاء بعضة بغداد ويبدو من اليمين: حفيظ بن سالم الغساني، والسيد فهر بن تيمور، وأحمد بن محمد الجمالي، والشيخ أحمد بن سعيد الكندي، وعبد الله بن محمد الطائي، والسيد ثويني بن شهاب
سافرت البعثة التي كانت برئاسة مدير إدارة المعارف الأستاذ إسماعيل بن خليل الرصاصي، إلى بغداد، والتحق أعضاؤها بالمدرسة الأعظمية وربما اختار السلطان سعيد هذه المدرسة كونها المدرسة التي التحق بها عام 1927، حيث حصلوا على الشهادة الابتدائية ثم الإعدادية، ثم انتقلوا منها إلى البحرين عام 1940 بسبب الحركات التحررية التي بدأت تظهر في العراق، مثل حركة رشيد عالي الكيلاني.
وقد أشارت إحدى الوثائق المنشورة في مكتبة قطر الرقمية إلى تلك البعثة حيث ذكرت أنه في 29 من سبتمبر غادر إسماعيل الرصاصي رئيس المحكمة العدلية إلى بغداد ومعه عدد من الطلبة للدراسة في بغداد وهم: السيد فهر بن تيمور أخ السلطان، السيد ثويني بن شهاب ابن عم السلطان، أحد الطلاب من ظفار(ويقصد به حفيظ الغساني).

كما أشار الرصاصي في مذكراته إلى تلك البعثة ومصيرها بقوله: ” وفي نفس العام ( يقصد عام 1937) أخذت بعثة معي إلى العراق بعد أن سبق على ما أظن مراسلات بين الحكومتين، وهناك أدخلناهم القسم الداخلي ثم لم يستريحوا فاستأجروا بيتًا، وكانوا فهر بن تيمور، ثويني بن شهاب، حفيظ بن سالم من ظفار، عبد الله محمد الطائي، ومعهم أحمد بن سعيد الكندي يشرف عليهم، واستمروا هناك مدة ثلاث سنوات على ما أظن ثم أعيدوا قبل إنهاء دراستهم”.
” وفي نفس العام ( يقصد عام 1937) أخذت بعثة معي إلى العراق بعد أن سبق على ما أظن مراسلات بين الحكومتين، وهناك أدخلناهم القسم الداخلي ثم لم يستريحوا فاستأجروا بيتًا، وكانوا فهر بن تيمور، ثويني بن شهاب، حفيظ بن سالم من ظفار، عبد الله محمد الطائي، ومعهم أحمد بن سعيد الكندي يشرف عليهم، واستمروا هناك مدة ثلاث سنوات على ما أظن ثم أعيدوا قبل إنهاء دراستهم”.
ويذكر الباحث الدكتور ناصر بن عبد الله الصقري أن البعثة سافرت إلى بغداد، والتحق أعضاؤها بالمدرسة الأعظمية ببغداد، حيث حصلوا على الشهادة الابتدائية ثم الإعدادية منها ثم انتقلوا إلى البحرين عام 1940 وذلك بسبب الحركات التحررية التي بدأت تظهر في العراق، والمنددة بالاستعمار البريطاني في المنطقة، ومنها حركة رشيد عالي الكيلاني الذي عرف بمناهضته للاستعمار البريطاني. كذلك نتيجة المواقف التي قام بها الملك غازي بن فيصل والتي أثارت حفيظة البريطانيين.
إزاء كل تلك التطورات تم نقل أفراد البعثة العمانية إلى البحرين، وإلحاقهم بمدرسة الصنائع التي كانت تحت الإشراف المباشر من قبل البريطانيين.
ويرى الصقري أن فترة إقامة الطلبة في بغداد كانت بالنسبة لهم مكسبًا كبيرًا، سواء فيما يتعلق بالتعليم الذي خضعوا له في إحدى مؤسساتها أو فيما يتعلق بالمطالعة والقراءة، حيث الانفتاح الثقافي الكبير الذي كانت تشهده بغداد في ذلك الوقت، وذلك بدليل أنه بعد انتقالهم للبحرين، حصلت مشكلة تتمثل في المرحلة الدراسية التي ألحقوا بها، حيث كانوا يرون أن مستواهم، وقدراتهم المعرفية أعلى من المرحلة الدراسية التي وضعوا بها.
البعثة في أخبار الصحافة
تناولت جريدة “الشباب” أخبار تلك البعثة في عددها الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1937 من خلال خبر أرسله مراسلها في بغداد، حيث أشار الخبر إلى وصول البعثة برئاسة الأستاذ إسماعيل بك الرصاصي ناظر العدلية في سلطنة مسقط مستصحبًا معه خمسة من شبابها لدخول مدارس العراق العالية.

وفي خبرٍ آخر، أشارت جريدة “الشباب” إلى أخبار تلك البعثة في عددها الصادر بتاريخ 24 نوفمبر 1937، حيث ذكرت أن صاحب العظمة سلطان مسقط وعمان يبدي اهتمامًا مفيدًا نحو المعارف في بلاده، حيث أرسل قبل شهرين بعثة علمية إلى العراق على نفقته.

احتفاء شعري
كتب الشاعر السيد هلال بن بدر قصيدةً ابتهاجًا بهذه المناسبة وسفر البعثة قال في مطلعها:
اليوم أنشد للقريض وأطربُ … اليوم أكتب والحقائق تشهدُ
وعند عودة البعثة كتب الشاعر السيد هلال بن بدر البوسعيدي أيضًا قصيدةً يهنئ فيها أفراد البعثة، ومرحبًا بهم، ومما جاء فيها:
يا فتيةً رفعت مكان بلادها … طابت عناصرها وطاب المولدُ
يا بعثةً عقدت بها آمالنا … مرحى لأمسكمُ وطاب لكم غدُ
المراجع
- الرصاصي، إياد. الوالي إسماعيل، مسقط، 2020، بدون دار نشر.
- الصقري، ناصر بن عبد الله. التعليم في مدينتي مسقط ومطرح بين عامي 1888-1970، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب والعلوم الإجتماعية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2017
- العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022.
- وزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب. لمحات عن ماضي التعليم في عمان، 1985.
- أعداد من جريدة الشباب تعود إلى عام 1937.