أثير – الروائي الأردني جلال برجس
قبل أيام انضممت إلى ورشة في الكتابة الروائية في الشارقة، تنظمها الجائزة العالمية للرواية العربية، أشرف عليها أنا والروائية العُمانية المبدعة بشرى خلفان، ويشترك فيها كاتبات وكتاب من (الأردن، والسودان، ومصر، وفلسطين، والإمارات، والمغرب، وسلطنة عُمان) وتدير شؤونها المهذبة (فلور مونتنارو) منسقة الجائزة.
إن التناغم الذي حدث بيني وبين بشرى خلفان، وفلور مونتنارو فيما يخص رؤيتنا للكتابة الروائية انعكس إيجابًا على تنفيذ ما وضعناه من إستراتيجية سعينا إلى لَمسها على من تم اختيارهم لتلك الورشة.
لم يكن في البال أن أتبوأ دور المعلم الذي يتطلب بالطبع تلاميذ ينصتون له، ويأخذون بما يقول حول الفن الروائي، لأنني أؤمن أن الرواية جنس أدبي غير ثابت، وإنه خاضع إلى التطور والتجريب الدائمين، وإلى رؤية الكاتب الخاصة لذاته، وللعالم، فالأهم في هذا الشكل من الكتابة ليس الموضوع، أو الحكاية، بل هي الكيفية التي تقدم فيها إلى القارئ، وبالتالي تقنعه في خوض غمار القراءة؛ فلا منهاج يعتمده المدرس أو الدارس في هذا الشأن، لهذا قلت حين وقفت أمامهم بأن ما سأقوله نابع من تجربتي الشخصية مع الفن الروائي، وليس بالضرورة أن تصلح أو تتوافق هذه التجربة لجميع من انضموا إلى تلك الورشة.

وإن الأمر لا يتعدى فكرة النصائح، والإرشادات غير الثابتة، وغير الملزمة. من هنا بات ملتقانا منطقة تجاوب، والتقاء، وسعي حثيث، نحو العثور على أساليبهم، ولغتهم الخاصة في التعامل مع أفكار روائية أتوا يحملونها إلى الورشة التي لم يتطلب أمرها مني أي شكل من أشكال التحضير، ولا العودة إلى رؤى (باختين) على سبيل المثال، أو بعض من لهم آراء لافتة في الفن الروائي. كل ما حدث أني انطلقت من تجربتي الخاصة التي دومًا أحاول في سياق تعاملي معها ألا أخرج، أو أبتعد عن المنطقة الفطرية الأولى التي كانت وراء استغراقي في الكتابة، منطقة بالطبع لا بد أن يقف خلفها دافع ربما سري، إما بحثًا عن الصوت الإنساني الخاص للكاتب، أو الاحتماء سعيًا إلى الحياة.
لقد بنيت الورشة على حديث هادئ غير مباشر، ولا وعظي، وليس فيه أي مستوى من مستويات الإملاء، أو الدفع باتجاه تبني طرائقنا الخاصة في السرد؛ إذ سارت بكل مفرداتها نحو منطقة مشتركة بيننا جميعًا بحيث اختلطت الأدوار، دور المعلم بدور التلميذ، لأجد أن لدى هذا الجيل من الشباب المقبلين على الكتابة الروائية بشغف كبير، طروحات، ورؤى، ولغة، ومواضيع مختلفة يعول عليها في ظهور طيف روائي جديد نوعًا ما. إنهم يعاينون الحياة من زاوية خاصة، وجديدة، بالتأكيد هي نتاج التحولات العالمية، وكل ما طرأ على واقعنا الإنساني من تغيرات.
إن ما يميز الجيل الجديد هو ذلك الفهم الجيد لسمات الزمن القادم، وبالتالي الانطلاق منه روائيًا، فهم أبناء مرحلة ملتبسة على مختلف الصعد السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية. وتتصاعد فيها أسهم تكنولوجيا الاتصالات، وانعكاس هذا التطور على الفن الروائي، وما يمكن أن يخدمه من حيث الموضوعة، والأسلوب، واللغة. وجدت حينما كان يقرأ المشتركون في الورشة نصوصهم، ويدور نقاش حولها أني أدون ملاحظات تخصني كروائي، وأن الروائي الجاد هو ذلك الذي مع كتابة أية رواية جديدة هو مجرد كاتب مبتدئ يسعى للتعبير عما يراه في هذا العالم.
في إحدى جلساتنا المسائية تحدث معظمهم عن هذا الانفجار الروائي ليس الصعيد العربي فقط، إنما العالمي، وعما يقرأون في هذا الصنف الأدبي الذي بات برأيهم وبرأيي الأكثر قدرة على التعبير عن هموم الإنسان، وتطلعاته، وانكساراته، وعن تلك التحولات التي يمكن أن تحدث على هذا الفن نتيجة لما يجري في العالم من جهود للرقمنة. لقد وجدت لديهم استيعابًا استثنائيا لكل ما هو جديد، ووعي بالتكيف حتى مع المراحل التي لم تأت بعد.
لقد فعلت الجائزة العالمية للرواية العربية خيرًا للأدب العربي حين درجت على عقد هذا الشكل من اللقاءات سنويًا، ليس فقط للمشتركين في تلك الورشات، بل للمشرفين عليها أيضًا، فمن أحد أجمل الآراء التي سمعتها من الكاتبة الأردنية الكويتية (إيمان أسعد) حين قالت: (أشعر أني في عالم روائي منذ اليوم الأول لانضمامي إلى هذه الورشة) فمعظم وقتنا حديث في الرواية حتى تلك الساعة التي تسبق النوم. ومن أجمل الفرص التي حدثت لي أن أتعرف بالزاوية المهمة والجميلة التي تنظر إليها الروائية بشرى خلفان إلى الفن الروائي وإلى الحياة.
لقد اجتمع الكتاب في ورشة يكتبون عبرها رواية العالم العربي: المغربية سكينة حبيب الله، الأردنية إيمان أسعد، العُماني حسام المسكري، المصرية هالة صلاح، السودانية تسنيم طه، الإماراتية إيمان الحمادي، والفلسطيني محمد جبعيتي.
لقد قدمنا النصح وفق تجاربنا، لكننا تعلمنا أيضًا من جيل شاب يرى العالم من جهة جديدة، يعول عليها جدًا.